الثقافة المجتمعية والوعي الصحي في زمن الأزمة

آراء 2020/05/10
...

د. وليد الخفاجي
 
إنّ مفهوم الثقافة من المفاهيم التي تحمل معاني كثيرة، وحتى اليوم لا يوجد له تحديد واضح، وذلك يعود الى ما تمثله الثقافة من اتساع وشمول يمس مختلف جوانب الحياة. فالثقافة ولدت مع المجتمع البشري، وكل الشعوب تحمل ثقافة تختلف في درجة تطورها المستمدة من تطور أي من هذه الشعوب.
وتعد دراسة الثقافة المجتمعية وعلاقتها بالوعي الصحي حقيقة اساسية لايمكن تجاوزها، باعتبار ان الصحة تعد ضرورية لتحقيق السلم والامن وعامل اساسي للأمن الانساني.
وكل ثقافة من الثقافات تظهر درجة معينة من التماسك الداخلي يجعلها تبدو كما لو كانت بناءً متكاملاَ يحوي عناصر ثقافية يربطها معاَ نسيج هذا البناء. والثقافة عموماَ تقوم على مكونين اساسيين هما المكون المادي، والمكون اللامادي. فالثقافة بشكل عام هي نتاج المجتمع نفسه.
ويشير الوعي إلى «إدراك الإنسان لذاته ولما يحيط به إدراكاً مباشراً»، ولعل هذا يعني فهم الإنسان لذاته وللآخرين عند تفاعله معهم سعياً لإشباع حاجاته، وقضاء مصالحه وهو مدرك للعلاقات بينه وبين الآخرين والبيئة من خلال المواقف المختلفة. في حين يشير مفهوم الصحة الى أنّها «حالة التوازن النسبي لوظائف الجسم وأن حالة التوازن هذه تنتج من تكيّف الجسم مع العوامل الضارة التي سيتعرض لها. وان تكيّف الجسم عملية ايجابية تقوم بها قوى الجسم للمحافظة على
توازنه».
ويعد الارتقاء بالثقافة المجتمعية والوعي الصحي من الثوابت التي يستمد منها الإنسان أفكاره وتصوراته وطموحاته نحو بلوغ الكمال الإنساني المنشود الذي يعد غاية سامية تسعى لتحقيقها جميع المجتمعات البشرية بمختلف توجهاتها الدينية والفكرية. وعلى سبيل المثال نلمس اختلاف درجة الثقافة والوعي الصحي بين افراد المجتمع العراقي في مواجهة وباء كورونا من خلال درجة الالتزام بالإجراءات الاحترازية كحظر التجوال وغيرها من اجراءات الوقاية، وهنا لا بدّ ان نشير الى ان درجة الوعي الصحي ترتبط ارتباط وثيقاً وعكسياً بنسبة الفقر وحسب بيانات وزارة التخطيط فإنّ نسبة الفقر بلغت أكثر 
من (20 %) من مجموع السكان أي أكثر من ثمانية ملايين انسان يعيشون تحت خط الفقر، مما يقلل نسبة المناعة لديهم كونهم غير قادرين على تأمين الحد الأدنى من حاجاتهم الاساسية حسب «تصنيف ماسلو» وهنا يتحتم على الحكومة مسؤولية اضافية تجاه مواطنيها لتلبية احتياجاتهم لرفع الروح المعنوية التي تساعد على زيادة مناعتهم لمواجهة 
هذا الوباء.
الذي لايفرق بين غني وفقير، تواجهنا مشكلة أخرى لدى بعض أفراد المجتمع هي التفكير السطحي القبلي وحالة السخرية وعدم الاكتراث بمخاطر هذا الوباء، وهنا نستطيع أن نميز بين شكلين من الثقافة المجتمعية ونسبة الوعي الصحي لديهم، الشكل الاول هم المواطنون المكتفون معيشيا اي القادرون على تلبية حاجاتهم الاساسية والقادرون على تحمل نفقات العلاج في القطاع الخاص، امام مواطنين غير قادرين على توفير لقمة العيش فهم يعيشون واقعا اجتماعيا مترديا بشكل عام وخدمات صحية شبه معدومة في القطاع العام الحكومي، مع استشراء آفة الفساد في البناء المؤسساتي ما افقد هذا البناء قدراته على خدمة الناس.
وبالمقارنة مع مجتمعات ودول العالم  الاول والثاني نجد انها ذات مسؤولية جماعية ومؤسساتية لا تحكمها الميول والاهواء القبلية او الفئوية كونها مجتمعات تستند على سلطة القانون في
مسارات حياتها.  
إنّ الوعي الصحي المجتمعي يعد ركيزة اساسية ومهمة في التصدي للازمات ومنها ازمة كورونا، وهنا لا بدّ ان نؤكد وفي ظل واقع غير آمن وغير مستقر على دور وسائل الاعلام في نشر الوعي الصحي بصورة تدريجية الذي يمهد بطبيعة الحال الى زيادة الوعي المجتمعي، وبذلك نتمكن من زيادة صلابة التماسك الاجتماعي، وهذا يتطلب جهداً حكومياً للنزول الى ارض الواقع المزري الذي يعيشه افراد المجتمع وزيادة قدراتهم المادية والصحية لمواجهة خطر هذا الوباء، إننا نحتاج الى حلول عاجلة ومستقبلية لزيادة مستوى الوعي الصحي المجتمعي، لأنه من ركائز أي عملية اصلاحية أنّها لا بدّ أن تنطلق من الاسفل الى الاعلى معتمدة على قوة المجتمع الفتية وهم فئة الشباب خصوصاً وان العراق يمر بالهبة الديموغرافية أي ارتفاع نسبة الشباب فيه قياساً الى مجموع السكان، والعراق لديه أكثر من تسعة ملايين شاب يمثلون قوته الاقتصادية التي تعد في أغلبها قوة معطلة تعيش حالة مستديمة من البطالة، والنهوض بهذه الفئة هو بمثابة الخروج الآمن من النفق المظلم وخلق مجتمع مستقر جاذب للتنمية طارد للفساد.
 لذا اهتمت الحكومات في الدول المتقدمة بكيفية نشر الوعي الاجتماعي بين افراد المجتمع، كما اصبحت لها معاهدها ومدارسها ونظرياتها للحد من انتشار الظواهر السلبية في المجتمع ولوقاية الفرد من الاصابة بها بدراسة حالته الخاصة والعامة وظروفه المعاشية والعاطفية منذ لحظة ولادته لحين بلوغه المرحلة التي هو فيها.
ولعل نشر الوعي المجتمعي والصحي في أوقات الأزمات بين المواطنين عن طريق حملات تثقيفية مشابهة لحملات التوعية المختلفة عن طريق القنوات الفضائية لما لهذه الحملة من دور في التأثير على البناء الاجتماعي. والعمل على ادخال نظام الفريق المتعدد الاختصاصات في المستشفيات والمراكز والمعاهد المختصة، وكذلك دعم مؤسسات الدولة من المدارس والكليات والجماعات المرجعية كافة بملاكات متخصصة بالعلاج النفسي والسلوكي هذا من جانب العلاج، اما من جانب الوقاية فتكون عن طريق تعزيز الثقافة المجتمعية في جميع مرافق المجتمع عن طريق الباحثين والاختصاصيين النفسيين والاجتماعيين من حملة الشهادات العليا.