المهمات الصعبة أمام الحكومة السابعة

آراء 2020/05/11
...


محمد جبير
 
تم التصويت على تشكيلة الحكومة السابعة بعد مخاض صعب، وفشل أكثر من مكلّف في تمرير حكومته، وشكّل التصويت بالإيجاب خطوة إلى الأمام في انفراج الأزمة السياسية الداخلية في ظلّ ظروف اقتصادية وسياسية وصحية معقّدة ومتشابكة ببعضها على المستوى الداخلي والخارجي، وهذا ما يتطلب بذل الجهود المضنية لتفكيك هذه الأزمات على انفراد وإيجاد الحلول الآنية والسريعة على المدى القريب، ووضع الحلول الستراتيجية على المدى البعيد.
ولا نريد أن نستبق الأمور ونحن في الأسبوع الأول من مباشرة هذه الحكومة التي تنتظرها تحديات صعبة وإرث متراكم من المشكلات والأخطاء على المستوى الداخلي التي أدّت إلى انهيار البنى التحتية للبلاد على مدى السنوات السابقة منذ عام 2003 وحتى يومنا هذا، وما كان من انهيار وعدم ثقة على المستوى الداخلي انعكس بشكل سلبي على المستوى الخارجي إقليمياً ودولياً.
 
سبت العمل
يشكّل يوم العمل الأول للحكومة الجديدة بادرة أمل واضحة لشفافية العمل الحكومي في خطابها السياسي والاجتماعي إلى الداخل العراقي، وانفتاحه على الخارج بما ينسجم مع إيجاد حلول لمعضلات أو أزمات قائمة، وهو الأمر الذي التزمت به الحكومة أمام البرلمان في جلسة التصويت في أن تكون "حكومة حلّ لاحكومة أزمات"، وهو المنظور الجديد والمختلف في العمل أو الأداء الحكومي الجديد عن الحكومات الست السابقة التي حكمت العراق في السنوات السابقة، إذ كانت حكومات إنتاج أزمات داخلية وتراكم تلك الأزمات.
فقد أراد الجيل السياسي من الخطّ الثاني أن يثبت قدرته في التعامل مع هذه الأزمات والسعي إلى حلّها وليس الى تعقيدها أو تشابكها مثلما كان يفعل الجيل الأول، إذ ترينا النظرة السريعة إلى بعض القرارات التي أعلن عنها الكاظمي بعد هذه الجلسة وبشكل مقتضب، أنّها تعمل حقاً على تحقيق ما ألزمت نفسها به من تعهدات، فإنّها لاتريد أن تعاقب شعباً بإيقاف رواتبه كما فعلت الحكومة السابقة في آخر يوم من أيام التكليف بإيقاف تمويل الموازنة التشغيلية وترك أمور الإطلاق إلى الحكومة الجديدة، ولم تتأخر الحكومة في هذا،إذ إنّها عدّت مسألة الرواتب "قوت الشعب" خطّاً أحمر لايمكن المساس به، وهذه بادرة حسن نية تسجّل لصالح الحكومة في يوم عملها الأول على المستوى الاجتماعي،لأنّها أعادت الطمأنينة إلى أكثر من ثلاثة ملايين متقاعد، وهو عدد لايُستهان به إذا ما قلنا إنّ كلّ فرد من هؤلاء المتقاعدين مسؤول عن أربعة أفراد على أقلّ تقدير، فإنّ قرار الحكومة السابقة أضرّ بثلث المجتمع العراقي،أي مايقارب 12 مليون إنسان عراقي.
هذا جانب من جوانب التعامل الإيجابي بين الحكومة والشعب، أمّا في جانب إعادة الاعتبار إلى الشخصيات الوطنية وقادة التحرير فقد اقرّ رئيس الحكومة بالقيمة الاعتبارية للرموز الوطنية الكفوءة،  في التشكيلة الوزارية أو بعدها من خلال إعادة الفريق الأول الركن عبد الوهاب الساعدي إلى الخدمة وإلغاء القرارات المجحفة بحقّه التي اتخذتها الحكومة السابقة، ومن ثم ترقيته،اذ  إنّ المهمات الوطنية والتحدّيات المستقبلية تتطلّب وجود قيادات وطنية تشهد لها ساحات المواجهة.
ولابدّ أن يكون الفريق الحكومي متجانساً حتى ينهض في تحقيق المهمات وتجاوز التحديات، إذ إنّ تحقيق الأمن والاستقرار والطمأنينة يتطلّب عملا ميدانيا حقيقيا وشاقّا على مستوى ضبط السلاح المنفلت، وتحجيم السلاح المهيمن على الدولة والمتحدي لوجودها والمضعف لكيانها من خلال تمرده على قرارات الدولة، وهو ليس بالأمر الهيّن، لاسيّما انّ هذه المجاميع لها أذرع وفروع ممتدة في الداخل والخارج، ولايمكن أن ينزع سلاحها بسهولة كما يتصوّر بعضهم.
وأيضاً على المستوى الداخلي وفي باب تعزيز الثقة إطلاق سراح المعتقلين من الشباب المنتفض قادة التغيير والمطالبين بالإصلاح وإعادة الوطن المستلب من قبل السلاح المنفلت وتعويض الشهداء والجرحى، وكذلك تنظيم عمل الأحزاب، كلّ ماتقدّم هو غيض من فيض على المستوى الداخلي، اذ إنّ ترميم الداخل هو الخطوة الأولى لترميم المشهد الخارجي الذي تمزّق جرّاء تناقض الخطاب السياسي وعدم توحده في القضايا المصيرية التي تهدّد أمن البلد ووحدته.
 
المستوى الإقليمي والدولي
ارتبكت علاقات العراق الخارجية مع المحيط الإقليمي والدولي، لعدم وجود القرار الوطني الصائب في الموقف من الأمور الحسّاسة والحاسمة على الصعيدين الإقليمي والدولي، سواء ما كان على مستوى الرئاسات الثلاث أو على مستوى المكوّنات السياسية الرئيسة المهيمنة على المشهد السياسي وتشكل هذا المشهد في تعدد بياناته المتناقضة والمتقاطعة مع المصالح الداخلية، و كانت تتناغم مع المصالح الحزبية والكتلوية والفئوية وحتى الفردية في بعض الأحيان.
إنّ إعادة هيبة الدولة يتطلّب أولاً توحيد الخطاب السياسي على المستوى الدولي، على أن لا يكون هذا الخطاب متناقضاً مع خطاب الداخل  بل يجب ان يكون متماهياً معه، والابتعاد عن الخطابات الاستعراضية لبعض المكوّنات أو الفصائل التي لا تخدم القضية الوطنية العليا للوطن والشعب، وإنّما تثير المجتمع الدولي وتبعده عن التعاون مع العراق وتجاوز محنه وأزماته، ومثل ما ابتعد المجتمع الدولي عن العراق في أوقات سابقة، فإنّنا اليوم في أمسّ الحاجة إلى تضامن وتعاضد وتعاون المجتمع الدولي مع العراق للخروج من أزماته السياسية والاقتصادية والصحّية، وإقامة تحالفات ستراتيجية مع الدول الكبرى والاتّحاد الأوربي، بمعنى آخر لابدّ من الخروج من عباءة التفكير الطائفي والاثني إلى التفكير الوطني الذي يسعى للنهوض بالبلاد وتحقيق الرفاهية والأمان.إنّ من المبادرات الإيجابية في هذا الاتّجاه هو مانراه من ردود أفعال مؤيدة وداعمة للحكومة الجديدة من المجتمع الدولي، والتي لابدّ أن تترجم إلى خطوات عملية ملموسة، وهو ما تسعى إليه الحكومة،إذ بادرت إلى تشكيل لجنة لدراسة وتنظيم شكل العلاقة مع القوّات الأميركية والتحالف الدولي، هذا على مستوى الشراكة في محاربة الإرهاب، كذلك تأكيد الحكومة على رفضها بأن تكون أرض العراق منطلقاً للعدوان على دول الجوار، وفي جانب التعاون الدولي ما أبدته الصين من رغبتها في إرسال فريق طبي إلى العراق للتعاون في القضاء على جائحة كورونا.إنّ انفتاح المجتمع الدولي على العراق مجدّدا من خلال التشكيلة الحكومية الجديدة هو دليل مقبولية هذه الحكومة والرغبة في التعاون معها على المستوى الداخلي والخارجي، وهذا الأمر يتطلّب في هذا الظرف الدقيق والحساس أن يكون هناك وزير خارجية عراقي يحظى أيضا بمقبولية المجتمع الدولي، وقادر على التفاهم ومخاطبة هذا المجتمع بما يحقّق المصلحة الوطنية العراقية، وأقرب مايكون إلى هذا الموقع هو وزير من الاخوة الكرد يتولّى هذا المنصب. جلسة السبت بما أطلقته من إشارات إيجابية على المستوى الداخلي والخارجي، تحتّم على الحكومة العمل الحثيث على تنفيذ الأولويات وتجاوز العقبات والصعوبات في الاعتماد على ثقة الشعب بإيجابية قرارات الحكومة وضرورة دعمها وإسنادها لتحقيق برنامجها 
الحكومي.