البرنامج الذي نال عليه الكاظمي وحكومته ثقة البرلمان ، تضمن ثمانية محاور اساسية ، سمي الاول منها بـ (الأولويات) وقد اشتمل هذا المحور بدوره على تسعة بنود او قضايا كان الاول منها هو تحديد البرنامج لأولوية اجراء انتخابات مبكرة بعد استكمال القانون الانتخابي وكان هذا بمثابة استجابة بل هو التزام صريح بالهدف الذي طرحته حركة الاحتجاجات منذ بدء التظاهرات الاولى في الاول من تشرين الأول العام المنصرم .
وفي كلمته التي استعرض فيها اهم بنود ومحاور البرنامج أمام البرلمان أكد الكاظمي انه وضع أمام حكومته الجديدة (مهمة اساسية هي الاستجابة لمطالب الشعب وتهيئة الطريق لانتخابات حرة ونزيهة) .ولكي يرتقي بهذا التعهد الى مستوى الاهمية الكبيرة والمباشرة اكد ايضاً ان حكومته جاءت (استجابة لازمة اجتماعية واقتصادية وصحية) لاسيما الاجتماعية التي تعني بوضوح حركة الاحتجاجات التي (غيرت) العديد من الاسماء التي رشحت لتشكيل الوزارة وقبل تكليف تلك الاسماء رسمياً حتى جاء تكليف محمد علاوي وعدنان الزرفي اللذين أطاحت بهما الكتل البرلمانية قبل التوجه الى البرلمان لنيل الثقة ، اما ترشيح وتكليف الكاظمي نفسه الذي مرر في البرلمان ، فقد بدا وكأنه مرشح ايضاً عن حركة الاحتجاجات التي عبر في برنامجه وكلمته امام البرلمان عن تبنيه لابرز واهم المطالب والاهداف التي رفعتها الحركة طيلة الشهور الثمانية المنصرمة. والواقع ان انعدام ثقة المواطنين بالدولة والحكومات المتعاقبة قد بدأت منذ السنوات الاولى لبدء العملية السياسية حتى أتسع نطاق التعبير عنها بتظاهرات مطلبية بدءاً من العام 2011 ثم اصبحت قضية راي عام تهم الغالبية العظمى من الشعب بمختلف انتماءاته ومناطقه وقد تبلورت اهداف ومطالب حركة الاحتجاجات التي اعطاها الكاظمي الاولوية امام حكومته بتشكيل لجنة للتحقيق في قمع وقتل المحتجين وتعويض اهالي الضحايا من الشهداء والجرحى واطلاق سراح المعتقلين والاعداد لانتخابات مبكرة نزيهة وعادلة والبدء بمكافحة جدية للفساد وغيرها من اهداف ومطالب مشروعة ، انما تمثل تعهدات الزمت الحكومة نفسها بتنفيذها كخطوات اولية وضرورية لكسب ثقة الشعب ودعمه كما عبر عن ذلك رئيس الحكومة نفسه . وليس من شك ان قرار اطلاق سراح معتقلي الاحتجاجات واطلاق صرف رواتب المتقاعدين التي اوقفتها الحكومة المستقيلة وتوجه الكاظمي بنفسه الى مديرية هيئة التقاعد واعادة الفريق الاول الركن عبد الوهاب الساعدي الى موقعه السابق وترقيته لرئاسة جهاز مكافحة الارهاب الذي عزلته منه الحكومة السابقة من دون وجه حق واصبح هذا الاجراء قضية راي عام شعبي ناقد للحكومة .. انما تمثل خطوات عملية وذات صفة رمزية مهمة تعد بتوجه الحكومة للقيام راهناً ومستقبلاً بتوفير الظروف واتخاذ الاجراءات التي من شأنها ان تحقق فعلاً كسب ثقة الشعب ودعمه والذي تعبر عنه الان انتفاضة تشرين او حركة الاحتجاجات السلمية ، ومن هنا يبدو واضحاً ان شروط نجاح الحكومة في التعاطي مع حركة الاحتجاجات هو الايفاء بوعودها والالتزام بتنفيذ برنامجها ، بل الشرط لوضع العراق على سكة التغيير والاصلاح اللذين انطلقت من أجلهما حركة الاحتجاجات ، لقد نص البند (سابعاً) من البرنامج الحكومي على ان الاحتجاج السلمي طريقاً لارشاد الدولة ، فان ترجمة ذلك ستتحقق بتشكيل مجلس استشاري شبابي تطوعي مرتبط بمكتب رئيس الحكومة ويمثل المحافظات العراقية كافة والتنسيق مع هذا المجلس بشأن الخطوات الحكومية الخاصة في مجال الاصلاح او صياغة آليات داعمة لحماية الحق في التظاهر وضمان سلميته .
ولكي يقوم هذا المجلس بدوره العملي الفعال ولا يتم تجويفه وتحوله الى مكتب بيروقراطي فأن رئيس الحكومة ملزم بتشكيل فريق عمل ، من غير بطانة رئيس الحكومة السابق ، يقوم بالتنسيق والحوار مع حركة الاحتجاجات إذ يتطلب ذلك اولاً دعوة الشخصيات الناشطة والبارزة لاختيار قيادة ومتحدث رسمي من بين صفوف التنسيقيات مهمتها تحديد شكل علاقتها والحوار مع الحكومة والمجلس الاستشاري وتحديد الاهداف الواقعية الممكنة التحقيق وفقاً لما يتطلبه تطور الاوضاع والعلاقة التنسيقية مع الحكومة . وبالطبع فأن واحدة من اهم واجبات هذه القيادة هو تحقيق فرز حقيقي بين المحتجين السلميين والعناصر المندسة لتنظيمات الطبقة السياسية وضبط وترشيد الحركة من طرح البعض المتطرف او المنفعل لشعارات واهداف تسيء للحراك وتخرجه عن اهدافه وسلميته . ذلك ان القوى والجهات المعادية للحراك والتي اسهمت في عمليات قمعه من انصار (الدويلة العميقة) ومن عناصر القتلة المندسين في اجهزة الدولة ستقوم بكل ما اوتيت من قوة لانهاء هذا الحراك وأفشال حكومة الكاظمي التي تبدي استعدادا للتنسيق معه وتعد بتحقيق اهدافه ومطاليبه وبالطبع فأن الحفاظ على الحراك يشكل اولى اوليات الحكومة مع اولوية وضع الخطط الفعالة لمواجهة الازمات الاقتصادية والمالية والصحية إذ سيمثل ذلك كله الطريق الصحيح لكسب الحكومة والدولة والعملية السياسية ثقة الشعب
ودعمه .