د. وليد الحلي
هي رسالة الحق التي أطلقها الإمام علي بن أبي طالب (ع) للإنسانيَّة موضحا أنَّ الفوز الحقيقي يكمنُ في العمل الخالص لله لتحقيق العدالة الإنسانية في الأرض. ولد في جوف الكعبة المشرفة في 13 رجب عام 23 قبل الهجرة النبويَّة (17 آذار 599 ميلادي)، وهو أول من آمن بدين الله الإسلام ورسوله محمد (ص) ودافع عن الإسلام في كل حياته. تصدى لقيادة الإصلاح في الأمة الإسلامية بعد وفاة خاتم الأنبياء محمد (ص) في 28 صفر عام 11 هجري الى يوم شهادته بعمر 63 عاماً حيث ضرب بالسيف على رأسه الشريف أثناء صلاة الفجر في مسجد الكوفة في 19 شهر رمضان عام 40 هجري من قبل العصابة التي حاربته بشعار (إنَّ الحكم إلا لله) ومات شهيداً بعد ثلاثة أيام في 21 شهر رمضان عام 40 هجري (27 كانون الثاني 661 ميلادي).
أترى قائد الأمة الإسلامية بمستوى الإمام علي (ع) يقتل لأنه لا يعرف "الحكم لله"؟! وهو العالم الذي تميز بأنه بعد رسول الله محمد (ص) من أتقى الناس وأعلمهم وأعدلهم وأشجعهم وأكثرهم عبادة وزهداً وصبراً وحكمة وأكثرهم قضاء وقدرة على الإفتاء والنصيحة والإرشاد والتصدي والكرم والتواضع والفراسة والفطنة مع البلاغة والمنطق في أطروحاته الإصلاحية. وصف الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم الإمام علي في العديد من الآيات، ومنها:
- (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) المائدة: ٥٥، نزلت الآية عندما تصدق الإمام علي بخاتمه أثناء صلاته.
- (قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) الشورى: ۲۳، نزلت الآية في التأكيد على المودة لأقارب الرسول محمد (ص) وهم ابن عمه علي وزوج ابنته سيدة نساء العالمين الزهراء (ع) ووالد الإمامين الحسن والحسين (ع) سيدي شباب أهل الجنة.
- (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ) المائدة : ٦۷ ، نزلت هذه الآية بحق الإمام علي في غدير خم عندما عينه الله سبحانه وتعالى ولي كل مؤمن ومؤمنة بعد رسول الله (ص) في واقعة غدير خم قبيل وفاة رسول الله محمد (ص).
- (إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) الأحزاب: ۳۳ ، آية التطهير نزلت بحق أهل بيت النبوة: محمد (ص) وعلي وفاطمة والحسن والحسين (ع).
- (فَمَنْ حَاجَّك فيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَك مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبينَ) آل عمران: 61، وهي آية المباهلة التي نزلت لتشخيص الذين يمثلون الإسلام في المباهلة مع وفد نجران في المدينة المنورة، وهم محمد (ص) وعلي وفاطمة والحسن والحسين (ع).
ووصف رسول الله محمد (ص) الإمام علي (ع) بـعددٍ من الأحاديث النبويَّة الشريفة، نذكر منها:
- أنا مدينة العلم، وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأته من بابه.
- من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.
- ألا ومن أحب علياً فقد أحبني، ومن أحبني رضي الله عنه، ومن رضي الله عنه كافأه الجنة.
- قال رسول الله (ص) في معركة خيبر: لأعطين هذه الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه، يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله. وأعطى الراية الى علي (ع).
انتهج الإمام علي مع الإنسان منهج النصح والاحترام والتربية والتثقيف، ذكر في مقاطع من وصيته بمعنى: (أوصيكم بتقوى الله، ونظم أمركم، وصلاح ذات بينكم. وكونوا للظالم خصماً، وللمظلوم عوناً، ولا تخافن في الله لومة لائم، قولوا للناس حسناً كما أمركم الله عز وجل، ولا تتركوا الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر فيولي الله الأمر شراركم ثم تدعون فلا يستجاب لكم، عليكم بالتواصل والتباذل (أي العطاء)، وإياكم والتقاطع والتدابر والتفرق وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان).
ابتلي الإمام علي بالجهلاء والخوارج عن الإسلام والمضللين والمنافقين وغيرهم قائلاً: (النَّاسُ أَعْدَاءُ مَا جَهِلُوا). الأمة الإسلامية ابتليت بأشخاص وجماعات سميت دينية مثل تنظيم القاعدة وداعش التي ابتدأت بتكفير المسلمين وإرهابهم ثم قتلهم، وهي بعملها المشين هذا تتبع أعداء الإسلام الذين عملوا لتضليل هذه الجماعات وتفتيت وحدة المسلمين وإضعافهم وجعل مشكلاتهم وتحدياتهم داخل صفوفهم لمصلحة استقرار الأعداء الذين نجحوا في جعل الفتن والعدوان والتفرقة بين المسلمين وهم يغذون هذا المنهج العدواني.
لقد حان الوقت على المسلمين أنْ ينتبهوا الى هذه المؤامرات وما يحاك ضدهم من الأعداء ويوحدوا صفوفهم ويتجاوزوا عن الاختلافات والخلافات لكي يكونوا مصداقاً لقوله تعالى (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا) آل عمران: 103 (إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) محمد:7.
رحمك الله يا أبا الحسن كنت أول القوم إسلاماً، وأخلصهم إيماناً، وأشدهم يقيناً، وأخوفهم لله عز وجل، وأعظمهم عناءً، وأحوطهم على رسول الله صلى الله عليه وآله، وآمنهم على أصحابه.