عباس الصباغ
مابين الكعبة حيث المولد وبين مسجد الكوفة حيث الاستشهاد ثمة ارشيف طويل لفتى الاسلام الاول لا يمكن اختصاره بهذه العجالة واقتضابه بكلمات محدودة المعنى فالحديث عن علي بن ابي طالب(ع) يفتح اكثر من افق بل الافاق كلها فهو كالبحر يغترف منه الانسان ماشاء فحياته عليه السلام كلها افاق رحبة يتوه فيها من يسبر غورها وقد لايصل الى مقصوده، فعلي اختصر بحياته تاريخ الرسالة الاسلامية وجوهرها ومعناها وهو كان التطبيق العملي لها.افاق علي متعددة وكثيرة ويطيب لي ان الجَ احد هذه الافاق واطلّ عليها من كوة الاستكشاف وحب الفضول لرجل ملا الدنيا وشغل التاريخ انه الافق الاجتماعي وفي وقت اصبح الحديث عن حقوق الانسان والعدالة الاجتماعية والمساواة ضربا من الخيال العلمي وترفا فكريا وفلسفة لا مكان لها في الواقع لكنها كانت واقع حال يوميا عند علي ومنهج عمل: (الناس صنفان اما اخ لك في الدين او نظير لك في الخلق) ولو كان الامام رجلا عاديا لمرّ عليه التاريخ كنموذج للانسان الانسان ولكن ان يكون على راس هرم لدولة تعادل رقعتها الجغرافية بمقاييس اليوم باكثر من خمسين دولة تشكّل بالحسابات الجيوبولوتيكية قلب العالم والعصب الحيوي للدولة الاسلامية فنرى من يتربع على "عرش" هذه الدولة يعيش في مستوى اجتماعي اقل من رعاياه بل هو افقرهم ويشير الى بطنه بعد ان شدها بحزام (صوّتي ماتشائين لا تشبعين حتى يشبع فقراء المسلمين )
وفي العدالة الاجتماعية يعطينا علي(ع) اكمل المبادئ ذات الامثلة العملية، فضلا عن النظرية اذ يتطابق العمل مع التطبيق وتتساوق المبادئ مع الافعال والاعمال وينسجم المثال مع الواقع ونجد ان كل ذلك قد تطابق تطابقا كاملا في فكر وعمل الامام الى حد اذهل كل متصفح لسيرته العظيمة وجعل ذلك التطابق من الصعب او المستحيل تكراره عند غيره فصارت عدالته بصمة انفرد بها وحده.. ومن جملة المبادئ التي ارساها انه لم يكن يستنكف وهو خليفة من ان ينزل بنفسه الى الاسواق مختلطا مع العامة ودون حرس او شرطة متفاعلا مع كل شرائح المجتمع لاسيما الفقيرة والمعدمة منها معطيا نصائحه السديدة وحكمه الرشيدة مردفا اياها بالفعل والتطبيق فكان علي (ع) هو المثال وهو التطبيق .. واذ كان يؤكد باستمرار على العناية بالفقراء والمحتاجين والاحسان اليهم كان يجعل من نفسه واحدا منهم ومن اقلهم ليتطابق القول والفعل تطابقا عجز التاريخ عن ايجاد شبيه له ..والامثلة على ذلك لا تعد ولا تحصى فقد روي انه داهمه الغيث ذات يوم فاضطر الى دخول احد المحال التي اختصت بصناعة الحلوى ، فلم يقبل صاحب المحل بدخول علي الى محله كونه لم يعرفه شخصيا لبساطة منظره وتقشف مظهره وتواضع شخصه وكذلك ان صاحب المحل هذا يستنكف دخول احد ( من الفقراء) الى محله حتى في الحالات الطارئة فكان ان طلب من الامام بان يخرج فرفض ذلك وعندما توقف الغيث وراى الناس يتهافتون للتشرف بالسلام عليه والذي بادر بدوره الى معاقبته وقد اعترض صاحب المحل على العقوبة معتبرا ان الامام هو خليفة وصاحب سلطة ويستطيع ان يفعل ما يشاء الا ان الامام اوضح له الامر بانه ليس كذلك كما يظن وانما هذا درس اخلاقي له و لامثاله ممن يمنعون فقراء المسلمين.