د.محمد فلحي
الاسلام رسالة هداية الهية نبيلة نزلت على الرسول محمد " ص " في عصر غارق بالجهل والشرك والفتن والتعصب والصراع القبلي، وكان الشاب علي بن ابي طالب(ع) تلميذا مخلصا مجتهدا في مدرسة محمد(ص)،ولم يفارق الرسول ابن عمه طوال حياته، وقد استوعب بعقله وروحه كل معاني تلك الرسالة وفهم ابعاد القران الكريم وخط كلماته بقلبه قبل انامله، وعبر عنها في ما بعد في سلوكه وخطابه السياسي والديني والارشادي والاعلامي!
خطاب علي (ع) هو تجسيد لروح القران وسيرة محمد، فهو يدعو للحق والعدالة والسلام والزهد والعلم والتواضع ومكارم الاخلاق،وكان يطمح الى بناء دولة الاسلام وفق تلك القواعد،وكانت مشكلة علي(ع) مع الناس في عصره وما بعده، ان دعوته نقية صادقة الى دين الاخرة، وكان الاخرون يصرون على التمسك بملذات الدنيا ومباهج السلطة والصراع على المناصب والمغانم،وكانت حروب دولة علي(ع) كلها دفاع عن عقيدة يحاربها الاخرون لانها تتبنى الحق وحده، واكثرهم للحق كارهون
لم يكن علي محاربا شجاعا مقداما في سبيل رسالة الاسلام فحسب، بل كان صوتا مدويا بليغا في التعبير عن العقيدة وقد وصف بسيد البلاغة،ومن ابرز تراث الاسلام كتابه الخالد(نهج البلاغة)،وفوق ذلك كانت شخصيته نفسها تستلهم القران في العمل والسلوك والحكم، وهو ما جعل اعداءه، من اصحاب الدنيا، في ورطة حول كيفية التخلص منه شخصا ونهجا وسلطة وتاريخا، ومن يقرا كتاب (مقاتل الطالبيين) لابي الفرج الاصفهاني الذي يعد من اقدم واهم الكتب في القرن الرابع الهجري،قبل اكثر من الف عام،يشعر بالرعب من هول الدماء العلوية الزكية التي سفكت على ايدي الطغاة، في عصر صدر الاسلام، وقد كانت رسالة القران ما زالت قريبة، كما يفترض، من عقول الناس، وكانت سيرة الرسول الكريم(ص) وتفاصيل حياته حيّة في الاذهان،ومتداولة شفاهية ثم كتابة، في القرون الثلاثة الاولى! القسوة التي حورب ثم قتل فيها علي(ع) من بعض صحابة مفترضين لرسول الله، والوحشية التي ذبحت فيها اسرته واولاده واحفاده، طوال قرون، تطرح الف سؤال: لماذا يحارب ويقتل علي ويعارض منهجه العادل رغم ان خطابه نبع من فيض القران، فهل يعقل ان يحارب مسلم الحق القراني؟!..وهنا تبرز الاشكالية بين خطاب الحق العلوي ومناوئيه،فقد كانوا يحاربون علي لانه يريد ان يحرمهم من مفاسد الدنيا،وكانوا لا يفهمون لغة علي وبلاغته الصادمة لانه يجردهم من امتيازات وسلطات ومكاسب،فعدالة علي تشكل خطرا على اهل الباطل، وصدق علي يفضح اهل الكذب والخديعة والدجل والنفاق!استمرت محنة العلويين طوال تاريخ الاسلام حتى اليوم وسوف تستمر في ظل مجتمعات ودول ترفع شعاراته وتتبنى الدعوة المحمدية ظاهرا ،لكنها في الواقع تخوض صراع السلطة بابشع الوسائل، واقرب مثال على التناقض بين النيات والقول والفعل والنتائج نجده في هذه العبارة البليغة التي تصف شخصية الامام علي(ع):"يستطيع المرء ان يتعلم منه اشياء كثيرة ولكن لا يستطيع ان يكون مثله"..كتبها شهيد الكلمة المفكر عزيز السيد جاسم في مقدمة كتابه الشهير(علي بن ابي طالب.. سلطة الحق) وكان ذلك الكتاب من ابرز اسباب قتله من قبل نظام صدام عام ١٩٩١ واخفاء قبره حتى اليوم.اغلب الحكام المعاصرين والسابقين رفعوا شعارات يزعمون فيها قربهم من مدرسة العدالة التي تجسدت في شخصية علي بن ابي طالب، لكن اكثرهم تصرفوا في كرسي الحكم ضد تلك المدرسة العلوية، فسقطوا وتهاوت عروشهم، وظلت منارة علي شامخة ساطعة.تنصيص /