د . صادق كاظم
للعراق اهمية جغرافية مميزة في المنطقة فهو البوابة التي يطل منها الاوروبيون الى آسيا والآسيويون الى اوروبا وهو ما يفسر مرور الغزاة على ارضه في طريقهم نحو مقاصدهم, بل وخوضهم معارك فاصلة على ارضه فالاسكندر المقدوني هزم الفرس وقتها في ارض عراقية ايام كانت الامبراطوريتان تتنازعان على زعامة العالم ومات الاسكندر لاحقا في ارض بابل من العراق وكان الامبراطور الفرنسي نابليون يفكر في حال نجاحه في اجتياح بلاد الشام بعد سيطرته على مصر بالوصول الى ارض العراق لاحقا ومن ثم التوجه صوب الهند انطلاقا من البصرة لكن احلامه تبعثرت عند ابواب عكا . كما ان العباسيين حسموا مصير الامويين عند موقعة نهر الزاب شمال كركوك حاليا .هذا الموقع الجغرافي المميز ايضا جعل البريطانيون يفكرون في اسقاط الدولة العثمانية اثناء الحرب العالمية الاولى من خلال البوابة العراقية في معارك استمرت اكثر من ثلاث سنوات، دخل البريطانيون في نهايتها الى الاراضي التركية من خلال الحدود العراقية وصولا الى اسطنبول.
هذه الميزة الستراتيجية ظلت وما زالت تشكل عامل ضغط على العراق من قبل الدول الكبرى والدول الاخرى الاقليمية في المنطقة من اجل جذب العراق نحو تأييد مواقفها على حساب الاخرى في وقت يدرك فيه صانعو القرار السياسي في العراق ضرورة تبني الحياد مع المحافظة على مستوى ثابت من العلاقة مع جميع الاطراف , فضلا عن المساهمة في حل النزاعات وتبريد الصراعات الاقليمية المتوترة بين بعض الدول في المنطقة وخصوصا النزاع الاميركي – الايراني الذي يترك تداعياته على العراق كدولة لها علاقاتها المتداخلة مع الطرفين .الحكومة العراقية الجديدة التي تشكلت بعد مخاض عسير تقع على عاتقها مهمة الحفاظ على هذا التوازن الاقليمي والدولي والسعي لتوظيف القبول والرضا والترحيب الذي قدم لها من قبل العديد من العواصم كواشنطن وطهران والرياض وانقرة وتأكيد هذه العواصم على ضرورة نجاح الحكومة العراقية في مهمتها مع وجود رغبة عراقية في احتواء تبعات الاشتباك القائم بين محوري طهران وواشنطن وجعل العراق بمنأى عنه .الستراتيجية الاميركية تجاه العراق لا تأخذ بنظر الاعتبار اهميته بالنسبة لها كجزء من امنها القومي ويحظى باولوية واسبقية مميزة في برنامج المساعدات والتحالفات التي تقيمها واشنطن في المنطقة ,حيث ان واشنطن تعتبر كلا من مصر والكيان الصهيوني ودول الخليج وتركيا حلفاء اساسيين ومميزين في المنطقة فالعراق بالنسبة لواشنطن ميدان لجغرافية الامن القومي الاميركي في المنطقة ولكن باهمية اقل، حيث انها تتعامل مع العراق على ضوء مصالح حلفائها الاخرين المميزين في المنطقة باعتبار ان هذه المصالح هي جزء من مصلحة الامن القومي الاميركي . عندما وصف الرئيس ترامب مؤخرا غزو بلاده للعراق بالخطأ الجسيم فانه كان يعبر عن مكانة ثانوية وليست رئيسة للعراق في الستراتيجية الاميركية وان اساس هذه الستراتيجية بالاساس هو لاحتواء ايران والحد من نفوذها ولضمان امن حلفاء واشنطن في المنطقة .هناك تقاطع واضح بين الستراتيجيتين الاميركية والايرانية تجاه العراق بخلق تداعيات مركبة قد تكون غير ملائمة للعراق، فاميركا طوال السنوات السابقة لوجودها في العراق لم تحقق النجاح الذي تريده وهي مستعدة لمغادرته في اية لحظة عندما تدرك ان وجودها فيه قد بات غير ضروري وهي تؤسس حاليا لقواعد في سوريا بجوار القواعد الروسية هناك, حيث تقيم قواتها التي تحارب داعش عند اغنى حقول النفط والغاز وتستثمر واردات سرقات النفط في تمويل وجودها هناك .هناك سؤال ماالذي تريده واشنطن من العراق بالضبط هل ينحصر بعدة مطالبات ابرزها تقليص النفوذ الايراني وانخراط العراق في صفقة القرن والتطبيع مع اسرائيل ,فضلا عن حل الحشد الشعبي وانهاء دوره ام ان هناك ادوارا اخرى ترغب واشنطن بمطالبة العراق بها..
هذا التجاذب الاقليمي والخلل في موازين القوى وافتقار العراق لمزايا ستراتيجية تقوي من موقعه في المنطقة يعرض المصالح الستراتيجية العراقية الى المخاطر ويجب على الحكومة العمل على ترميمه من خلال تقوية المؤسسة العسكرية والامنية ورفع مستوى كفاءتها بشكل يؤهلها لدحر مخاطر الارهاب , اضافة الى حل الخلافات والمشكلات المستعصية الداخلية التي تضعف من الوضع والاستقرار السياسي , فضلا عن تعزيز واصلاح النظام السياسي .