د. كريم شغيدل
إنَّ مهمة أي رئيس وزراء يتصدى للمسؤولية في هذا الظرف الملتبس، وفي ظل العديد من التحديات، ليست بالمهمة السهلة، فالذهنية السياسية، شئنا أم أبينا، لم تستدل على طريقها بدون بوصلة المحاصصة، والفاسدون ليسوا موظفين صغارا يمكن إحالتهم للقضاء بقرار قاضٍ، والأسلحة التي تمتلكها الميليشيات ليست أسلحة شخصية، والمسؤولون عنه ليسوا أشخاصاً عاديين، فبين آفة المحاصصة وحيتان الفساد ووحوش التسلح تضيع المعايير، ولم يعد مجدياً مسك العصا من الوسط، أو حتى التوافق بمعزل عن مراعاة ثلاثي الخراب(المحاصصة، والفساد، والسلاح)، وهذه الأركان التي باتت تشكل هوية الدولة العراقية أشبه بالأواني المستطرقة، ما يصب في أحد دوارقها يصب بالتساوي في دوارقها الأخرى.
المحاصصة في أحد وجوهها تعني تقاسم ثروة البلاد، ونهب المال العام يقتضي تقوية الفاسدين بقوة السلاح، وليس في الأفق مبادرات سياسية للتخلي عن المحاصصة أو تحويل مؤسسات الدولة إلى إقطاعيات لتمويل الأحزاب وأجنحتها العسكرية، لا نتوقع من أي حزب أو كتلة سياسية تعلن أمام الملأ بأنَّ لديها مشروعاً سياسياً لبناء الدولة، فالأحزاب الحالية لم تعد معنية بآيديولوجيات التأسيس الاقتصادي والاجتماعي والفكري بقدر عنايتها بما يمولها ويوسع نفوذها، ولم تعد المعايير المهنية بالأهمية التي تمثلها معايير الولاء والقرابة والمحسوبية حتى داخل الحزب الواحد.
ينطلق المواطن البسيط من منطق القوة في تقييم المسؤول، ومنطق القوة لا يعني القوة الشخصية، بل قوة الحزب أو الكتلة، كما ينطلق أيضاً من قوة الغطاء الخارجي، فذا مدعوم من الطرف الفلاني وذاك من الطرف العلاني، والمواطن البسيط نفسه يثق على الأغلب بمن هو مدعوم من أميركا، لأنه مهما اختلطت الأوراق وتداخلت تبقى اليد الطولى لأميركا في الشأن العراقي بعد إيران وبقية القوى الدولية والإقليمية، وهذه الانطباعات التي تبلورت في ذهنية المواطن، هي من صنع السياسيين أنفسهم، وليست مخيالاً شعبياً.
أزمتنا الحقيقية لا تكمن في خلافات فكرية أو آيديولوجية أو مهنية بين الكتل السياسية التي تدعي الشراكة في إدارة شؤون البلد، وإنما في اختلاف الولاءات الخارجية، فكل كتلة تشعر بأنها مدينة لمن يدعمها، إن لم نقل لا وجود لها بدون هذا الدعم، الجميع يمتلك الحصانة والحماية بأغطية خارجية تشرعن وجوده، والجميع متواطئ مع ما هو سائد من فقدان أبسط الأسس البنيوية لوجود الدولة المصانة سيادتها بقوة الاستقلالية والدستور والقوانين التنفيذية النافذة، فقد نجحت أحزاب السلطة في استثمار مخرجات الفوضى والتردي، وحرمان المواطن من أبسط حقوقه.
السيد مصطفى الكاظمي الذي أعطى انطباعات طيبة منذ الأيام الأولى، من شهر العسل الذي أوشك على الانتهاء مع الكتل السياسية، يدرك حجم التحديات والصعوبات التي تعترض مسيرته في إكمال كابينته والمضي بتنفيذ وعوده، لكن هل الكتل السياسية تدرك حجم الكارثة التي تنتظر العراق- لا سمح الله- إذا استمر البعض بعرقلة مساعيه الحثيثة لتلبية مطالب الشارع العراقي؟
أزمتنا الحقيقية لا تكمن في خلافات فكرية أو آيديولوجية أو مهنية بين الكتل السياسية التي تدعي الشراكة في إدارة شؤون البلد، وإنما في اختلاف الولاءات الخارجية، فكل كتلة تشعر بأنها مدينة لمن يدعمها