الحوار والتنوع الثقافي

آراء 2020/05/20
...

أماني النداوي
 

تعود جذور أغلب الصراعات الكبرى في العالم إلى أبعاد ثقافية، فقد عانت البشرية طوال تاريخها من سوء فهم مدمر بين مختلف الحضارات والثقافات والديانات، وكانت جميع الحروب والصراعات الدموية تنبع من تلك الهوة المظلمة، التي تجعل من الآخر عدواً مفترضاً مسبقاً، ولا شك أن الضحايا والخسائر سوف تكون رهيبة، في ظل التسلح الحالي، لو واجهت البشرية حرباً عالمية ثالثة، ومن المستبعد أن ينجو أحد بنفسه من الكارثة، لو وقع العالم ،لا سمح الله، في أزمة لا يمكن تداركها بالحوار والتفاهم والمصالح المشتركة، ومن ثم سعت جهود الأمم المتحدة، خلال العقود الأخيرة إلى جسر الهوة بين الثقافات وفتح باب الحوار بين الحضارات التي أصبحت مسألة ضرورية وحرجة لتحقيق السلام والاستقرار والتنمية.
في العام 2001، اعتمدت منظمة اليونسكو الإعلان العالمي للتنوع الثقافي، وأعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها رقم 57/249 يوم( 21 أيار) يوماً عالميا للتنوع الثقافي والحوار والتنمية.
 إن أساس الحياة البشرية هو التنوع والتعدد، ولا يخلو بلد واحد في العالم اليوم، من تنوع في الأجناس والديانات والمذاهب والثقافات، وإن مبدأ التعايش والحوار والتفاهم يوفر مساحة مشتركة للجميع من أجل العيش والازدهار، ويشكّل التنوع الثقافي قوة محركة للتنمية، ليس على مستوى النمو الاقتصادي فحسب بل أيضاً كوسيلة لحياة فكرية وعاطفية ومعنوية وروحية أكثر اكتمالاً، وهو ما تنصّ عليه اتفاقيات الثقافة السبع التي توفّر ركيزة صلبة لتعزيز التنوّع 
الثقافي.
 التنوع الثقافي الذي يبنى على السلام والتسامح والتقارب بين البشر يعد ميزة ضرورية للحدّ من الفقر وتحقيق التنمية المستدامة ومواجهة التحديات المصيرية والأزمات التي تواجه الوجود الإنساني، دون تمييز، ولعل أبرز مثال راهن ما يشهده العالم من تهديد مشترك في ظل انتشار وباء كورونا، وهو ما تطلب من صناع القرار ستراتيجيات جديدة عاجلة حول التعاون الاقتصادي والعلمي والطبي بدلاً من قرقعة السلاح التي كانت لغة الصراع الدولي، طوال القرون الماضية. 
هذا اليوم تتاح أمام شعوب العالم فرصة لتعميق مفهوم قيم التنوع الثقافي ودعم الأهداف الأربعة لاتفاقية حماية وتعزيز تنوع أشكال التعبير الثقافي التي اعتمدتها اليونسكو في عام 2005،وتتمثل في ما يلي:
1 - دعم نظم مستدامة لحوكمة الثقافة.
2 - تحقيق تبادل متوازن من السلع والخدمات الثقافية وانتقال الفنانين والعاملين الآخرين في مجال الثقافة.
3 - دمج الثقافة في برامج وسياسات التنمية المستدامة.
4 - تعزيز حقوق الإنسان والحريات الأساسية
إن هذه الأهداف يمكن تحقيقها من خلال تغيير جوهري، أصبح مُلحّاً، في مفاهيم العلاقات الدولية، التي كانت تعتمد التمييز والهيمنة والصراع والتسلح المفرط، والعمل على انتزاع أنياب الشر الراسخة في بيئة العداء وسوء الظن والحقد والكراهية المتراكمة عبر التاريخ، ولا شك أن بيئة مجتمع المعلومات سوف توفر فرصة ثمينة عبر الاستعمال الابداعي للإعلام وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتواصل الاجتماعي، في خلق الحوار بين الحضارات والثقافات، وفي بلوغ مرحلة جديدة من تاريخ البشرية تقوم على تبادل الإبداع الثقافي والفني وبناء قواعد الاحترام والتفاهم وحسن الظن بين
 الجميع!