المرأة.. نعم

الصفحة الاخيرة 2020/05/29
...

حسن العاني 
 
لعله العام الدراسي 1969 /1970 حين تولى الشاعر المصري الراحل، الدكتور كمال نشأة تدريسنا مادة النقد الادبي، كنا يومها في المرحلة الاخيرة-كلية الآداب– الجامعة المستنصرية / الدراسة المسائية، وكانت اعمار الطلبة (كبيرة) نسبياً، فاغلبنا من الموظفين، ولهذا قامت بيننا وبينه علاقة صداقة وزمالة ثقافية، اكثر منها علاقة طالب بأستاذ، فقد كان يرافقنا في العديد من جولاتنا ومجالسنا الخاصة، وطالما حضر معنا الى مقهى (عارف اغا) في منطقة الحيدرخانة، احدى مقاهي بغداد التي اسهمت في بلورة ما عرف لاحقاً بأدب الستينيات او مرحلة الستينيات الذهبية!
في هذه المقهى التي كان يرتادها عدد كبير من الادباء والمعنيين بالشأن الثقافي، ليس اولهم الروائي الراحل عادل عبد الجبار، ولا اخرهم الشاعر الناقد حاتم الصكر، كنا نعقد ما يشبه الحلقات النقاشية في شتى قضايا الثقافة، وكان الدكتور نشأة صوتاً قوي الحضور في الحوار وممتعاً في اسلوب حديثه، حيث تمتزج – على عادة المصريين- الطرفة الناعمة والتعليق الظريف مع اكثر الحوارات جدية وسخونة!
ذات مرة حدث شجار في زاوية من زوايا المقهى، حيث سمعنا من الشتائم المبتذلة، في اقل من ثلاث دقائق مالم نسمعه في ثلاثين سنة، وسرعان ما اشتبكت الايدي قبل ان يتدخل الحاضرون، ويبعدوا احد اطراف (العركة) الى الخارج، واذكر ساعتها جيداً، تعليق الاستاذ نشأة على الحادث (ان المشكلة الكبيرة في العراق هي غياب المرأة، لا وجود لها في شارع المتنبي ولا المطعم ولا المقهى ولا النادي ولا اتحاد الادباء، هل تعرفون لو كانت هنا – يقصد في مقهى عارف اغا- بضع نساء، لما حدث الذي حدث وبين مثقفين، ولحاول كل رجل ان يتصرف بطريقة مهذبة، حتى نحن كنا نتحاور بطريقة هادئة من دون حاجة الى الانفعال والصراخ، انا شخصياً أؤمن بان وجود المرأة في اي مكان هو استدعاء للقيم الجمالية، وهو وجود حضاري وتحرير للرجل من سلوكه البدوي!) 
لا اعرف مدى صحة الرأي الذي ذهب اليه استاذنا، وهل هو مبني على معطيات فسلجية او سايكولوجية او اجتماعية، ام انه وجهة نظر شعرية تقرب من الغزل المبطن، ولكنني لمست شيئاً واقعياً في كلامه، فالمرأة الموظفة في وسط رجالي مثلاً، تمنح الرجال همّة عالية في العمل، ولولا وجود النساء في البرلمان، لخرجت المعارك الكلامية بين البرلمانيين عن الفاظها المحتشمة وتحولت لغة الحوار الى لغة عضلات، وفي مكاتب المسؤولين ومكاتب الشركات وعلى خطوط الطيران لم يفلح احد مثل المرأة في اضفاء الاجواء المثالية المطلوبة، والمرأة الحبيبة، تصقل مشاعر الرجل وتمتص عناصر القوة الغاشمة في رجولته وتحيله الى شخصية رقيقة لها ملمس الحرير، شيء واحد فقط لم افهمه: لماذا تستفز المرأة شياطين الرجل وتدمر اعصابه وتجعل حياته جحيماً لا يطاق بمجرد ان تصبح زوجة؟!