الوصفة القاتلة

آراء 2020/05/29
...

 د. ماجد فاضل الزبون
 
أتاح الإعلام الرقمي فضاء واسعاً أمام الجمهور لمتابعة الأحداث على شبكة الانترنت عن طريق الحاسبات والهواتف الذكية، ولأن المواقع الإخبارية في تزايد مستمر مع وجود رغبة لدى الكثير بالمشاركة دون الإلمام بقواعد النشر وأخلاقياته، فكثرت الأخبار والشائعات الباطلة.
أزمة كورونا دفعت معظم وسائل الإعلام لاستحداث برامج إرشادية والإجابة عن استفسارات المواطنين للوقاية من هذه الجائحة المميتة، لكن البعض منها تسمح بنشر معلومات مضللة قد يتأثر البعض بها، ما يتطلب الرصد 
والتحقق.! 
لكن ما يثير الدهشة ومن غير المقبول إطلاقاً أن نسمع ونرى رئيس أكبر دولة يدس أنفه وبدون "كمامة" وكأنه طبيب متمرس ليقترح علاجا لهذا الفيروس عن طريق حقن مواد مطهرة في جسد المرضى، ليصدم الوسط الطبي في العالم كله، ما أثار سخرية الكثير من ذوي الاختصاص، ليرد أحدهم بأن إضرام النار بالجسد قد يكون حلا بديلا أفضل من مقترح ترامب، بينما طالب آخرون بايقاف مؤتمراته "الطبية" لأنها تشكل خطرا على الصحة 
العامة.
ترامب الذي غابت عنه الحكمة وشتم كبير الأطباء المختصين في الأمراض المعدية بأميركا، لم يقف عند هذا الحد، فبدأ وكأي كاهن فلكي يتنبأ بالغيب، ليعلن أرقام الوفيات والإصابات المحتملة التي ستقع مستقبلا في بلاده، لكن لم نسمع الى يومنا هذا بأي تأكيد على تكهنات ترامب من جامعة "جونز هوبكنز" البحثية العريقة، ولا من "ملك الموت" الذي تطلق عليه الديانات الأخرى تسمية "عزرائيل".!
ولأن الرجل مولع بالأرقام كأي تاجر، قلّل في البداية من خطورة الفيروس في أميركا، ليصدم فيما بعد بتصاعد الوفيات والإصابات وبعشرات الآلاف يوميا، لتصبح أميركا الدولة الأكثر تضررا في العالم، فيجد نفسه عاجزا عن مواجهة شعبه وخصوصا السود "الفقراء" لأنهم الأكثر تأثرا بالوباء، بمعدلات إصابة وصلت إلى أربعة أضعاف، ومعدلات وفاة وصلت إلى ستة أضعاف أكثر من البيض، وتشير الأرقام الى ان أكثر من سبعين بالمئة من الضحايا هم من ذوي البشرة 
السمراء.! وليبرر ترامب هذا الارتفاع الهائل في الوفيات والإصابات اليومية ، أخذ يكيل الاتهامات والتهديدات نحو الصين، ويقرر تعليق مساهمة واشنطن المالية في منظمة الصحة العالمية، ويعلن بين فترة وأخرى عن التوصل الى علاج للفيروس، فهو في سباق مع الدول الاوروبية والصين وروسيا للفوز ببراءة الاختراع التي يرى بأنها ستدر عليه مليارات الدولارات من جيوب 
المرضى.!
غاية ترامب لا تتعدى الربح، فاكتشاف أميركا للعلاج يعني كسب مليارات الدولارات، وبالمقابل نأمل من أطباء دول العالم اكتشاف العلاج ليوزع مجانا، قبل أميركا التي قدمت الربح قبل الإنسانية والسياسة قبل العلم.