محمد علوان جبر

ثقافة 2020/05/31
...

حميد المختار
 
صرنا في كل حين نودع واحدا من أحبتنا خصوصا كتّاب القصة والرواية من وفاة سعد محمد رحيم وأسعد اللامي وصولا إلى محمد علوان جبر الذي رحل فجأة وبلا سابق إنذار او وداع وبلا سبب يمكنه ان يقنعنا به، محمد علوان جبر آخر ماكنت أفكر به هو أنني سأرثيه ذات يوم، كنت أقول في نفسي لابأس ان مت فهناك أصدقاء كثيرون سيذكرونني بخير ويحزنون لرحيلي وسيكتبون المراثي ويقيمون حفلات التأبين، إذن كنت مرتاحا وأنا أفكر في هذه التوجسات والمخاوف مطمئنا بوجود محمد وأصدقائه الذين سيقومون بمأتمي خير قيام، ولكن أن يغادر ابو دنيا هكذا وبلا كلمة كما لو انه ينسل من حفلة صاخبة لم تعجبه، هذا الكائن الذي لا أعداء له سوى رموز النظام السابق والدكتاتور وأتباعه، فهو حالم ومسالم ورقيق كنسيم الليل ومرهف الحس والوجدان ونقي الضمير بوجه ناصع البياض لايحمل ضغينة ولا يعرف طعم الحقد والكراهية، رسالته إلى الناس ابتسامته المضيئة التي تعطي للآخر درسا في القبول والحب واحترام الذات وشريكها في الوطن، ماذا علينا أن نفعل في هذا الغياب القسري
لأحبتنا؟ 
البكاء غير مجد وهو حالة ربما يصفها البعض بالسلبيّة، غيابه كبير كغياب ابراهيم الخياط الذي ترك مكانا شاغرا في القلوب، صار محمد هو الآخر يشغل الأفكار والأفئدة ويبكي العيون ويقرح الجفون، أشعر باليتم والعزلة وكأنني على شفا رحيل آخر، ثم أقول هذه أيضا سلبية، لأن محمدا يحب الحياة والسعادة والجمال والابتسامة، ولو انني فعلا أقيم لمكانته وزنا في قلبي فعليّ ان أكمل طريقه وأحب الحياة وان أذكره حين أشاهد الجمال بكل ألوانه وتنوعاته، وكيف لا وقد صاحبني في سفري وترحالات جمال وصحبة واخوة قل نظيرها هنا وهناك في بيروت والقاهرة وتونس واربيل والسليمانية وميسان والبصرة والكوت، ترحالات الروح لاتنتهي حتى لو انتهى مشوار حياتنا، هكذا هو محمد علوان جبر نسمة عابرة ومقيمة، لغة الأنا والآخر، رسالة حزن وفرح، عنوان سرد وابداع كبير، بهجة عيد وعريف حفل ومقدم يقف على منصة الثقافة يرثي الآخر قبل نفسه، يحب الناس ويقضي الحاجات المستعجلة للاصدقاء والغرباء في الوقت ذاته، سعيدٌ بصحبتنا، يقرأ نصوصنا ولا يجامل، يصحّح الأخطاء، ويضع النقاط على الحروف فتكتمل الجملة المفيدة في حياتنا معه، يغادر في بهمة ليل غريب ووحيد بلا صحبة سفر، هذه المرة سفره سيكون طويلا وخاصا، فقيامته قد بدأت وعليه ان يشد حيازيمه، ولطالما شد أحزمة الأمان في ارتحالاته وسفره، ولهذا كله طار محمد كعصفور ملَّ هذه الأرض المسكونة بالوباء والغربة والخوف والفساد، ملَّ من الفاسدين والكاذبين والادعياء، لهذا قرر الرحيل المفاجئ تاركا لنا دمعة يتيمة في غربة ليل موحش وطويل، فسلام عليك يا صديقي يوم ولدت ويوم عشت وكتبت ويوم مت ويوم تبعث حيا في القلوب والعقول والأفئدة.