أدباء يستشرفون شكل الأدب ما بعد كورونا

ثقافة 2020/06/01
...

البصرة/ صفاء ذياب
 
بعد أن صدرت أعمال كثيرة عراقياً وعربياً تناولت جائحة كورونا اجتماعياً وإنسانياً، وهناك أعمال تعد في الوقت الحالي، فضلاً عن محاولات الكثير من الأدباء لتدوين يومياتهم عن الحجر وما فعلوه خلال هذه الأشهر.. تكونت لدى الكثير من النقاد تساؤلات عدة عما ما بعد كورونا.
وربّما بدأ الحديث الآن عن أدب ما بعد الجائحة، إذ بدأ الحديث بصوتٍ عالٍ عن هذا الأدب، وهل سيختلف عمّا عرفه تاريخ الأدب منذ قرون.. وكيف سنقرأ ملامح هذا الأدب؟ وما الذي نستشرفه في خصائصه؟
أسئلة كثيرة ستزداد يوماً بعد يوم كلّما طالت هذه الأزمة، وأسئلة ستنبثق عمّا سنراه في الأيام المقبلة..
 
رسول كورونا
يرى الدكتور علي داخل فرج أن الحديث عن أدب ما بعد كورونا الذي يُثار اليومَ متزامناً مع ما يُتداول على صفحات التواصل الاجتماعي من صور لأغلفة أعمالٍ أدبية وروايات يُزعم أنها كُتبتْ في أيام الجائحة بحسب ما يُشير أحد العناوين- متعكّزاً على عنوان رائعة ماركيز- (الحب في زمن الكورونا)، هذا الحديث قد يبدو- لأوّل وهلة- نوعاً من المبالغة أو الترف الفكري، فلسنا نعلم حتى الآن كل شيء عن جائحة كورونا، وكيف ستنتهي؟ ومتى؟ وهذا ما يجعل التنبّؤ بما بعد الجائحة أمراً ليس باليسير. ولو نظرنا- من جهة ثانية- في تداعيات جائحة كورونا وأثرها الكبير في مختلف جوانب الحياة، وفي مقدّمتها الجانبين الاجتماعي والاقتصادي، فضلاً عن الصحي، فإننا لا نستبعد أبداً أثراً مماثلاً في الأدب بالضرورة، فالحديث الذي يُثار بقوّة اليومَ عن عالم ما بعد كورونا اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، لابدّ أنْ يرافقه حديث عن عالم ما بعد كورونا المغاير أدبياً، فما هي ملامح هذا الأدب؟ وما الذي يمكن أن نستشرفه من خصائصه؟ لا أظن أن الإجابة عن السؤالين السابقين سهلة أو متاحة على النحو المرضي، ولكننا قد نستطيع الإشارة إلى ملامح تمثل استجابة أو ردّة فعل إبداعية للشعور بالعجز والضعف وسقوط وهم الإنسان القوي والحضارة المنيعة بعد أنْ أجبر هذا الفيروس العالم على غلق كل شيء تقريباً، وأصبحت شوارع أكبر المدن، ولأوّل مرة في التاريخ، خاوية من سكّانها الذين فُرض عليهم البقاء محبوسين في منازلهم، وهم يشعرون بأن كورونا رسول الموت الذي قد يزورهم في أيّة لحظة.
ويبين فرج: لعل من الملامح أو الخصائص التي قد نستشرفها في أدب ما بعد كورونا، أنه أدب عُزلة واشتجار مع الذات من جهة، ومع زيف العالم والحضارة الذي كشفته الجائحة من جهة ثانية، فالعُزلة القاسية التي عاشها ويعيشها الأديب في بيته قد تكون هي الكمامة التي تبرز منها ملامح الأدب الجديد بعد انتهاء الجائحة.
 
سيناريوهات الموت
في حين يشير الروائي صلاح صلاح إلى أن هذا الوباء له امتياز الاستمرار والبقاء ولفترة طويلة، إنه الوجه الآخر للصراع. ستتغير الحياة التي تصنع الأدب كما حدث في الثورة الصناعية وكل الثورات التي تلتها. منذ أمد بعيد كُتبت مجموعة من الروايات عن الاوبئة والفيروسات التي ستجتاح العالم، الأكثر رعباً هو أن سيناريوهات الموت صارت واضحة وليست خيالاً، وليس فقط نتيجة التطور. إرادة صنع الشر صارت واضحة وقوية. الآن نحن أمام مشهد خطير وهو سرعة انتقال الأمراض من مكان إلى آخر، الاقتصاد الجديد، العمل الجديد، توزيع الإنتاج العالمي، الرؤية الجديدة المتخيّلة لعالم اليوم والمستقبل. عملياً صار الجميع في قارب واحد. كل الحياة صارت مرتبطة مع بعضها البعض وظهر لنا وبشكل واضح التصميم القوي باتجاه الحكومة العالمية الواحدة والعالم الواحد بلا مسافات ولا زمن. إن السيناريو الأكثر رعباً هو أن نمنح في هذا التشابك الهائل للمعلومات وانحسار الزمن والمسافات، حكومة عالمية فاسدة تقود العالم نحو حروب خفية شبحية. الحروب التي تنتقل فيها الفيروسات والأمراض إلى كل مكان، بسرعة البرق، ثم سيطرة الهاكرز والعقول الإجرامية على هذا الكوكب، الكتابة الجديدة ستبدأ من هنا.
 
الخسارات المجنّحة
وبحسب الدكتور عمار المسعودي، فإن وباء كورونا ما هو إلاّ فسحة من سكون تداخلها مخاوف تشبه إلى حدود كثيرة بداية الحرب، يعني حينما تخشى من لمسِ عناصر الكون، فكيف سيكون وجودك بينما الذات الإبداعية ذات متحسِّسة ٌ ترنو بنظرها لامتلاك العالم أو التحكم بالكون؛ وذلك لاعتمادها منظور الحداثة أو حتى ما بعده، وذلك حينما وقع العالم بفعل تغييرات اقتصادية أو قيميّةٍ بعدَ نشوء الدولة بالرغم من فجوات اكتمال معناها إلاَّ أنَّها نقلت ساحة العملية الإبداعية من التغنّي بالآخر إلى الاقتراب للذات المبدعة وكيف تضع لنفسها أهدافاً أقل ما يقال عنها إنها تحاول إدارة الكون وتفسيره وتغييره وليس باعتماد وصفه الثابت. ما يهمنا هنا هو أن ندخلَ من نافذة كورونا، لنقررَ أنَّ الأدب بعدِّه تعبيراً حرَّاً عمّا يقلق الوجود وعما يُذهب عن الوجود الابداعي أمنه وتقواه.
مضيفاً: الجوائحُ هي الخسارات المجنَّحةُ التي تصيبنا، بعدنا وجوداتٍ تقع إبداعياً تحت تأثير الخوف والجزع والقلق، برغم ما أؤمن به من أن الإبداع يقع بعداً مختمراً بعيداً عن الأحداث، إلاّ أني لا أخفي وجلي من جوائح تمثل معادلاتٍ لمخاوف تتصل حتى بتفصيلات اللغة الشفّرة وهي تخلّد ما يتسيَّدُ من رهبةٍ ومن خوف ومن قلق تتمثّل في مجموعة إسنادات لغوية تميل لعبور المخاوف إلاَّ أنها متضمنة بشكلٍ مجدول في جدائل الابداعات وهي تحاول في نماذجها الأعلى اخفاء كل ذلك... هذه اللائحة من المخاوف تهديد حقيقي، لذا على الذات الشاعرة ألا َّ تستكين أو أن تكتفي بالسطح الإعلاني دونما تمثّلات عناصرية تضع الخلود نصباً لعينيها بدلاً من الوقوف إعلانياً حول كل ذلك.
 
مهام جديدة
ويبين الشاعر عباس السلامي أنه لا شكّ في أنّ العالم بعد كورونا سيختلف بالتأكيد، وإنَّ تداعيات ما حصل لن يكون الأدب في منأى عنها! وستبرز أمام الكتّاب تحديات كبيرة ومفصلية تتمثّل في كيفية التعامل مع عالم انهارت فيه الثنائيات والتكتّلات وان رؤى الكتّاب وأفكارهم الجديدة ستركز في الأساس على كيفية درء الخطر، نتيجة تنامي السطوة وممارسة العنف كأساليب ردّ اكتسبتها الأنظمة بتعاملها لدرء خطر العدو الخفي، ممارسات ربّما تماثل في فعلها وحدّتها ما كانت تفعله الأنظمة الشمولية، على اعتبار أنَّ القانون جاز لها وأعطى لها التفويض الكامل بحجر الناس بأية طريقة حتى لو كانت عن طريق القوة، وهذا باعتقادي سيولّد علاقة عدم ثقة ما بين الكاتب والسلطة، فالسلطة لا تريد من الكاتب كشف وفضح ما حصل، فالأساليب السيئة التي تعاملت بها بلدان في أوروبا مثلاً ضد شرائح في المجتمع ككبار السن، وفكرة التخلّص منهم، ستزعزع في نظر الكاتب ومخيلته صورة المجتمع المتكافل المدني المتطور، وستتقلّص رغبة الكاتب بالامتداد بأدبه خارج حدود وطنه، وستبرز مهام جديدة، كيف سيتعامل الكتّاب مع تلك المهام كونها غير مسبوقة هذا ما سيظهر بالتأكيد في أدب ما بعد كورونا؟
 
آداب الأوبئة
لا يعتقد الشاعر أسعد الجبوري بأن للأصوات العالية حقّاً باختراع نظرية الأدب الكورونوي. لقد واجه العالم على هذه الأرض أوبئة وحروباً هائلة، إلاّ أنّه لم يُقسم الآداب والفنون إلى فرق زمنية أو مراحل حاسمة في التاريخ إلاّ بنسب محدودة تخص الكتّاب والفنانين كما فعل ذلك بعد الحربين العالميتين. انقلاب صور الآداب والفنون، سيبقى محدود التأثيرات على الفنانين والمؤلفين، وهم لا يشكّلون رقماً مفزعاً وضخماً قياسياً لناس الشعوب المليونية حول العالم.. من هنا، فإن آثار العزلة على الشعراء والأدباء والفنانين لن تؤدي إلى تحوّلات جوهرية، لأن غالبية أهل الأدب العظمى كانت تعيش تلك العزلة وتمارس الكتابة تحت ظلال الانعزال من دون مخاوف حقيقية من الأمراض ولا من بعض الانفجارات التي حدثت في بعض المفاعلات 
النووية.
ويضيف الجبوري: أدب الأوبئة مستمر منذ زمن طويل.  ألا يُعدّ قمع الحريات والاعتقالات السياسية والتجويع والحظر والعقوبات الاقتصادية والفساد وغزوات الظلاميين من الأوبئة المرعبة مثلاً؟ إن نظاماً أدبياً جديداً، لا تكتمل ملامحه برمشة عين في كل الأحوال، لكن عندما تصل السلحفاة إلى الجبل، سنتحدث عن أدب الأوبئة بقلق جدّي أكثر.