الجمعيَّة العراقيَّة لدعم الثقافة والمرأة المبدعة

ثقافة 2020/06/03
...

د. معتز عناد غزوان/ باحث وأكاديمي
 
لا شك أنَّ للثقافة أثرها الكبير في تحديد خصوصية وهوية الشعوب، فضلاً عن دراسة واستعراض مراحل تطورها الفكري والمعرفي، ترتبط الثقافة بالعادات والتقاليد والبيئة والفكر والمعتقد والأديان واللغة، فالثقافة بمعناها الشامل هي المكان أو الوعاء الفكري المتطور والمتجدد الذي يعد جوهر الإبداع في الفكر الإنساني بمختلف مكوناته المعرفية من فنون وادي وعلوم 
وغيرها.
انه زمن إبداعي عالق بفكرة الإنسان منذ أقدم العصور، ولا سيما في بلاد الرافدين، والأمة التي تجعل من زمنها فكراً إبداعياً، تتمتع بقدرتها الفائقة ومهاراتها الخلاقة في ميدان العلوم والفنون والآداب وهي روح الثقافة الأصيلة، وتعد أمة حضارية بكل ما تحمل من مكونات الثقافة الحقيقيَّة التي يعد أساس قوامها هي الانتقائية والموضوعية والواقعية. 
تكون للبيئة بتحولاتها ومفاهيمها المختلفة في التأويل لا سيما في الفكر الإنساني أثرها الكبير في تحول وتطور الثقافة ونموها بمعاصرة تعتمد على الأصالة في انتقاء المفردة الحضارية ذات الخصوصية العراقية والرافدينية بتسمية أخرى في المنجز الثقافي الإبداعي. فالعراق المعاصر هو امتداد ثقافي متأصل ومتجذر في التأكيد على الثقافات الإنسانية المختلفة ومنها ثقافة احترام حقوق المرأة وما لها وما عليها من حقوق وواجبات فضلاً عن دورها الكبير في تطور المجتمع بشتى مجالات الحياة اليومية بوصفها الجزء المهم الذي يحقق التكامل مع 
الرجل.
كما ارتبطت الآلهة المقدسة بالمرأة كرمز للآلهة عشتار التي تمثل آلهة الخير والعطاء في الفكر العراقي القديم فضلاً عن كونها تمثل جمال المرأة ومفاتن جسمها وجمالها ورقتها.
وقد أسهمت منظمات المجتمع المدني العراقي في بيان أهمية المرأة في الحياة والمجتمع العراقي بشكل عام والحياة الثقافية بشكل خاص. من هنا تأتي الجمعية العراقية لدعم الثقافة إحدى منظمات المجتمع المدني العراقي الناشطة في ميدان الثقافة وحقوق الإنسان ولا سيما المرأة، التي تأسست في تموز من عام 2005 بعد أن اجتمع عدد من المثقفين والمهتمين بالشأن الثقافي وحقوق الإنسان لتكون هذه الجمعية نواة لبناء ثقافة مجتمعية عراقية واعدة لا تؤمن بالتبعية والتسلط والمحاصصة المقيتة ونشر ثقافة التسامح وإسناد المثقف العراقي الواعد الذي يبحث عن داعم لإبداعه ونشر نتاجه الثقافي بمختلف أهدافه ومكوناته 
وتخصصاته.
وكانت لتلك الجمعية هيئة تأسيسية حرصت على بناء مشروع ثقافي متكامل تتألف من الأستاذ مفيد الجزائري وزير الثقافة آنذاك، والروائية الكبيرة لطفية الدليمي والمهندس الاستشاري هشام المدفعي، والمعماري والإعلامي مؤيد الحيدري والاكاديمي الدكتور عقيل مهدي يوسف الفنان المسرحي المعروف، فضلا عن الفنان الكبير الراحل محمد غني حكمت والناقد نزار الراوي والدكتور ضياء نافع والفنان الراحل مؤيد نعمة الذي صمم الشعار الخاص بالجمعية والذي يرمز إلى شكل الزقورة العراقية تتوسطها العين التي تدعو إلى سبر أغوار المعرفة بشتى نواحيها.
تسعى الجمعية عبر أنشطتها المتـنوعة إلى فتح آفاق رحبة أمام الثقافة العراقية، والإسهام في إعادة العراق إلى موقعه كصرح للثقافة المستنيرة، وبما يتناسب مع تراثه الثقافي ومنجزات مثقفيه المعاصرين. ومن تلك الجهود الكبيرة للاحتفاء بدور المرأة العراقية المثقفة، احتفت الجمعية بمنجز الروائية الرائدة سافرة جميل حافظ وما قدمته من منجز ثقافي كبير واستعراض لتاريخها النضالي والفكري والإنساني.
كما أسهمت الجمعية بشكل فاعل في إعداد حفل لتوقيع كتاب (المعارك الأدبية حول تحرير المرأة في الشعر العراقي المعاصر) لمؤلفه الشاعر الراحل محمد جواد الغبان، إذ استضافته الجمعية مع عدد من الأديبات والناشطات في ميدان المجتمع المدني العراقي لمناقشة الآراء الصادرة في الكتاب المذكور ومناقشة المؤلف في ما قدمه عن المرأة ودورها في الشعر العراقي المعاصر.
كما استضافت الجمعية الناشطة المدنية وأستاذة الآثار العراقية الراحلة الدكتورة لمياء الكيلاني لإلقاء محاضرة قيمة ومهمة بعنوان (المتحف العراقي 2003 - 2013) التي عقدت في مبنى المتحف ببغداد، إذ تطرقت الى عملية نهب المتحف والآثار العراقية المهمة وما سببته هذه السابقة الخطيرة من أضرار كبيرة في موروث وخصوصية العراق الحضارية والثقافية، كما احتفت الجمعية بإصدار كتاب (مدينة الحكايا) لمؤلفته المعمارية والاكاديمية الدكتورة غادة موسى ارزوقي، الذي يتحدث عن عمارة بغداد منذ العصور القديمة إلى منتصف القرن الماضي.
ومن الأمور المهمة التي حرصت عليها الجمعية، ولا سيما في ميدان حقوق المرأة في قيادة المشهد الثقافي هو أنْ يكون للمرأة دورها في قيادة الجمعية وضمن عضويتها البارزة في الهيئة العامة والهيئة الإدارية للجمعية، وخلال أربع دورات انتخابية عقدتها الجمعية لانتخاب هيئتها الإدارية كان للمرأة منصب نائب للرئيس، فضلاً عن دورها الفاعل في تشكيل هيئتها الانتخابية من أجل تعزيز دورها ومشاركتها الفاعلة في بناء الثقافة العراقية الأصيلة البعيدة عن التهميش والإقصاء، وهي من أهم أهداف منظمات المجتمع المدني العراقي ولا سيما تلك المنظمات الناشطة في ميدان الثقافة وحقوق 
الإنسان.