ينطلق في منتصف حزيران الحالي حوار ستراتيجي عراقي - أميركي لتنظيم العلاقة بين الدولتين

آراء 2020/06/03
...

عبد الحليم الرهيمي
 
ينطلق في منتصف شهر حزيران الجاري في بغداد الحوار الستراتيجي المرتقب بين العراق والولايات المتحدة الاميركية الذي طرحته واشنطن ورحبت به بغداد وذلك للبحث في قضيتين اساسيتين ، الاولى مناقشة افضل السبل لتنظيم العلاقة بين البلدين وتأكيد الشراكة بينهما والثانية : البحث في كل القضايا الاساسية بينهما ومنها مستقبل وجود القوات الاميركية في العراق ، اذ اكد ذلك اكثر من مسؤول اميركي وفي مقدمتهم وزير الخارجية بومبيو .
ولأهمية المسار الذي اتخذته الدعوة لهذا الحوار ، فان من الضروري الاشارة لما تحمله من دلالات وآثار على الحوار ذاته لابد من اخذها في الاعتبار خلال البحث في القضايا المطروحة . انبثقت فكرة الحوار الستراتيجي هذه بعد حدثين كبيرين أمنيين مهمين، اولهما تطويق مجموعة مسلحة المدخل الرئيس للسفارة الاميركية في المنطقة الخضراء ببغداد ثم القيام باضرام النار في واجهتها وبوابتها الرئيسة والانسحاب بعد ذلك ، وثانيهما حادث المطار الذي راح ضحيته الجنرال الايراني قاسم سليماني وابو مهدي المهندس نائب رئيس هيئة الحشد وذلك في الثالث من كانون الثاني الماضي اي بعد ثلاثة ايام من حادثة السفارة . وبسبب ذلك وجهت دعوة الى البرلمان لعقد جلسة طارئة وعقدت فعلاً في الخامس من الشهر ذاته أي بعد يومين من حادثة المطار ، وكانت الجلسة موضع جدل، اذ قاطعتها الكتل الرئيسة للكيانات السياسية الكردية والسنية لكن الجلسة اتخذت ، رغم ذلك ، قراراً – وليس تشريع قانون – يدعو حكومة تصريف الاعمال المستقيلة للطلب من واشنطن سحب قواتها العسكرية من العراق . وفي اليوم الثاني من اتخاذ هذا القرار اي في السادس من الشهر نفسه ، ابلغ رئيس الحكومة المستقيل السفير الاميركي لدى العراق (ماثيو تولر) ضرورة انسحاب القوات الاجنبية ، و اشار الى خطورة الاوضاع الحالية وتداعياتها المحتملة ، وذلك كما جاء في البيان الصادر عن مكتب رئيس الحكومة المستقيل . وفي اليوم ذاته هدد الرئيس الاميركي دونالد ترامب العراق (بفرض عقوبات على العراق اذا طالب برحيل القوات الاميركية بطريقة غير ودية ) .ومع تصاعد التوتر والتجاذب بين بغداد وواشنطن ، طالب رئيس الحكومة المستقيل ، في الثامن من كانون الثاني ، وزير الخارجية الاميركية بومبيو (بارسال وفد الى العراق لوضع آليات تطبيق قرار البرلمان العراقي الداعي لانسحاب القوات الاجنبية ، ومنها الاميركية ، من العراق كما جاء في البيان الصادر عن مكتب رئيس الحكومة المستقيل . ولم يتأخر رد واشنطن على هذا الطلب كثيراً ،اذ وجهت الى الحكومة المستقيلة بعد يومين من طلبها ، اي في العاشر من كانون الثاني مذكرة عبرت فيها عن (رفضها مناقشة هذه القضية ، اي انسحاب قواتها من العراق ) . ولتأكيد مضمون المذكرة بشكل اوضح قالت المتحدثة باسم الخارجية الاميركية (مورغان اورتيغوس) في بيان رسمي (ان اي وفد نتوجه به الى بغداد في هذه المرحلة سيكون مكلفاً فقط بمناقشة افضل وسيلة لاعادة تأكيد شراكتنا الستراتيجية وليس مناقشة انسحاب قواتنا ) .وهكذا ، وفي ظل وسياق هذه التطورات للاحداث وتأثيراتها ، وكذلك في ظل التجاذبات بين واشنطن وبغداد ، وبين واشنطن وطهران وانعكاساتها على الاوضاع في العراق ... سيجري الحوار الستراتيجي المنتظر منتصف الشهر الجاري . وفي ضوء الحرص الذي تبديه واشنطن والترحيب الذي عبرت عنه بغداد بهذه الدعوة للحوار ، فان من المتوقع ان يجري بحث معمق لعلاقات الشراكة بين البلدين منذ 9 نيسان – ابريل 2003 وخاصة ما بعد انسحاب القوات الاميركية من العراق في 31 /12 /2011 تنفيذاً للاتفاقية الامنية المبرمة بين البلدين في تشرين الثاني – نوفمبر 2008 ، ولاسيما ما بعد احتلال داعش في 10 حزيران 2014 .لا شك أنَّ الحوار الستراتيجي الذي سينطلق ابتداءً، من الرغبة الجادة للجانبين العراقي والاميركي التي عبرا عنها بمختلف المواقف والتصريحات في مناقشة وحل القضايا المطروحة للحوار انطلاقاً من المصالح الخاصة لكل منهما ومن المصالح المشتركة بينهما، بعيداً عن التشنج والشعارات والمواقف الانفعالية ، سيتوصل وفدا البلدين المتفاوضين الى مخرجات ايجابية لمصلحة البلدين ومصلحة شعبيهما العراقي والاميركي. وبالطبع فان مراعاة كل طرف لمصالح وهموم شعبه والحوار بشأنها بروح الشراكة الودية، ستوفر كل عوامل النجاح للحوار والتفاوض التي من شأنها ان تبدد المواقف الحذرة والسلبية التي يتخذها البعض ازاء العلاقة الستراتيجية بين البلدين واهميتها. إنَّ ما سيؤطر الحوار ويحدد مساره منذ البدء هو (اتفاقية الاطار الستراتيجي (صوفا) ) الموقعة بين البلدين في 17/ 11 / 2008 والانطلاق من (الاحكام الختامية/ للقسم الحادي عشر منها الذي تنص فقرته الثانية على أنَّ هذه الاتفاقية (تظل سارية المفعول ما لم يقدم اي من الطرفين اخطاراً خطياً للطرف الثاني بنيته انهاء العمل بهذه الاتفاقية) وهذا لم يحصل كما تنص الفقرة الثالثة من هذا القسم على ان (يجوز تعديل هذه الاتفاقية بموافقة الطرفين خطياً ووفق الاجراءات الدستورية النافذة في البلدين). وهذا ما سمح للجانبين بالنقاش والحوار المستفيض بشأن هذه الاتفاقية وبنودها كافة لتعديلها وتطويرها تبعاً للمستجدات التي حصلت خلال الاثني عشر عاماً التي مرت على توقيعها .وبطبيعة الحال ستكون الاقسام العشرة الاخرى لهذه الاتفاقية هي موضع حوار وجدل لتعديلها او الغاء بعض فقراتها وباستثناء القسم الثالث من الاتفاقية الذي وضع له عنوان (التعاون الدفاعي والامني) الذي سيدور حوله حوار معمق يشمل الحوار حول مستقبل تواجد القوات الاميركية ، فان الاقسام التسعة الاخرى ليس فيها ما يدعو المتحاورين للاستطراد كثيراً في مناقشتها ، وهي اذ تصب في مصلحة البلدين وفي مصلحة الشراكة الحقيقية التي يرغب البلدان في تعزيزها، يمكن المغامرة في القول ان معظم تلك الاقسام وبنودها هي لمصلحة العراق اكثر من هي للجانب الاميركي .ان نظرة فاحصة ومتأنية لهذه الاقسام تظهر اهمية ليس فقط تمسك العراق الابقاء عليها بل السعي لتطويرها اكثر مما هي عليه الآن، اما تلك الاقسام فتنص عناوينها على (مبادئ التعاون ) التي ترسم العلاقة بين البلدين وتنص تلك الاقسام على (التعاون السياسي والدبلوماسي) و(الدفاعي والامني) و (الثقافي) و (في مجال الاقتصاد والطاقة) و(الصحي والبيئي) وفي (مجالات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات) و(مجالات القانون والقضاء) وبتشكيل (لجان مشتركة) لتطوير مختلف الاوضاع في العراق. واذا كانت الحكومات العراقية والاميركية المتعاقبة منذ التوقيع على هذه الاتفاقية قد قصرت وتجاهلت تفعيلها ، فمن المتوقع ان يضع المتحاورون اذا ما تمت المصادقة على الاتفاقية مرة اخرى الأسس والآليات لتفعيل تطبيقها ومراقبة ذلك في المراحل المقبلة، اما الحوار حول مستقبل وجود القوات الاميركية، فسيمثل المسألة الثانية المهمة في الحوار الستراتيجي ، وسيناقش المحاور او المفاوض العراقي هذه المرة في ظل حكومة جديدة تتفهم جيداً اهمية الحوار المسؤول ومن منطلق المصالح الوطنية العراقية لهذه المسألة . ولعل من المفيد التذكير هنا بما كتبته مجلة (الاسبوعية) في عددها 194 الصادر في تشرين الاول/ اكتوبر اي عشية انسحاب القوات الاميركية والتي كان يشغل ادارتها ورئاسة التحرير فيها السيد الكاظمي نفسه حيث جاء في الخبر ( العراق بلا اميركيين – ساعة الحقيقة) : ( هل يستطيع العراق ان يحقق امنه الذاتي بقواته الذاتية ، وان يوظف خصوصيته في صيغة ارادة موحدة . ام ان مرحلة ما بعد الاميركيين محكومة بالتعثر وبمزيد من الفشل، ما يفتح الاحتمالات على حالة مرتبكة ومربكة في آن واحد).. لقد صحت هذه الرؤية، فهل سيأخذها المحاورون باسم الكاظمي وحكومته بعين 
الاعتبار؟