ماذا يعني أنْ يكون رئيس الوزراء صحفياً، وتحديداً في بلد يصنف من البلدان الخطرة أو على أقل تقدير غير الآمنة للعمل الصحفي؟.السؤال المطروح يستدعي طرح أسئلة أخرى أكثر مما يحتاج إلى أجوبة، وفي مقدمتها وأبرزها، سؤالان:
الأول: ما الذي سيقدمه السيد الصحفي رئيس الوزراء الكاظمي لخلق بيئة آمنة وصالحة للعمل الصحفي؟.
والثاني: كيف سيتعامل مع السلطة الرابعة وهو الأدرى بأهميتها وتأثيرها في الجمهور؟.
للإجابة عن السؤال الأول، فإنَّ أبرز وأهم ما يحتاجه الصحفي العراقي هو البيئة الآمنة لمزاولة مهنته، فالمخاطر لا حصر لها، لدينا التنظيمات الإرهابيَّة التي تنظر للصحفي كعدوٍ لا بدَّ من تصفيته ما لم يكن إلى جانبها وصفها، وأظننا في غنى عن ذكر الصحفيين والإعلاميين الذين تمت تصفيتهم ذبحاً وقنصاً وتفجيراً منذ العام 2003 ولغاية الآن على يد الجماعات الإرهابيَّة، وكذلك المؤسسات الصحفيَّة التي تم استهدافها بالقصف والتفجير.
وبالرغم من طوفان الدم والموت والخراب الذي جاءت به التنظيمات الإرهابيَّة إلا أنها باتت الآن أقل خطراً على الصحفيين من الجماعات المسلحة وعصابات الجريمة المنظمة ومافيات الفساد، ولو أعدنا النظر في السنوات الأخيرة لوجدنا أنَّ جميع الصحفيين الذين فقدوا حياتهم تهددت سلامتهم وأمن أسرهم كانوا ضحايا لنقل الحقيقة وكشف ملفات فساد أو تشخيص مكامن الخلل السياسي أو سلطوا الضوء على التدخلات الخارجيَّة.
ثم يأتي بعد ذلك المنفلتون من القوات الأمنيَّة والحمايات الشخصيَّة والضغط الحزبي، وهؤلاء وإنْ كان خطرهم لا يصل إلى مرحلة التصفية والقتل إلا أنَّ الاعتداءات الجسدية والاعتقال والتغييب ليست أموراً هامشية وسطحية بل لها تأثير خطير في الصحفيين وحريتهم. ولا تقتصر العقبات التي تواجه الصحفيين على الخطر الأمني فقط بل أنها تمتد إلى تسلط ومزاجية أصحاب المؤسسات الصحفية والإعلامية غير الحكومية، أي القطاع الخاص الصحفي، وهذا في الحقيقة هو أشد ضغطاً على الصحفيين فكما هو معروف في العراق لدينا فقط شبكة الإعلام العراقي مؤسسة تابعة للدولة وكل ما سواها هي مؤسسات تابعة للأحزاب ورجال الأعمال ودول مجاورة، وهي تشكل 99.9 % من مجموع المؤسسات الصحفيَّة المرئية والمسموعة والمقروءة والإلكترونية. العاملون في القطاع الخاص الصحفي بلا أي حقوق قانونية أو دستورية أو نقابية أو حتى إنسانية، مصائرهم معلقة بمزاج صاحب المؤسسة فمتى ما شاء أغلقها أو أنهى خدمات القسم الأكبر من العاملين فيها من دون سابق إنذار أو تعويض، أو في أحسن الأحوال بدلاً من غلقها تخفيض الأجور تدريجياً وأحياناً إلى النصف دفعة واحدة، وهذا الأمر تقف أمامه نقابة الصحفيين العراقيين موقف المتفرج. وبعد هذا الواقع المأساوي يأتي الدور السلبي لمؤسسات الدولة التي لا تحترم مبدأ حق الوصول إلى المعلومة حتى وإنْ كانت معلومات لا تمس الأمن أو الاقتصاد أو السياسة بسوء. العمل في بيئة هكذه خطرة أمنياً، وفي ظل معلومات محجوبة من دون مبرر، وممارسة المهنة من دون غطاء قانوني يوفر للصحفي الأمن ويضمن حقوقه، هو أشبه بالسير في حقل ألغام وأنت معصوب العينين. وإذا توفرت البيئة الآمنة حينها ستكون لدينا حقاً سلطة رابعة تراقب وتقوم السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية، وهذا ما يحتاجه البلد للسير إلى الأمام، وهذا ما سيذكره التاريخ للسيد الكاظمي. أما في ما يتعلق بجواب السؤال الثاني، فالسيد الكاظمي وهو صحفي خَبَر تأثير الصحافة والإعلام في الشارع العراقي وكيف استطاعت بعض المؤسسات الإعلامية والصحفية العراقية أنْ تجيش الشارع في عدة مناسبات بل أنها في بعض الأحيان شكلت خطراً حقيقياً على الدولة العراقية وليس على الحكومات أو الأحزاب، وللأسف لم تكن أيٌ منها تعمل لصالح البلد بل كانت تمرر أجندات خارجية مدفوعة الثمن، وخاضت في حلبة الصراع الحزبي وكان الضحية العاملون فيها. فإذا ما توجه زميلنا الصحفي رئيس الوزراء نحو تصحيح الوضع الكارثي الذي تغرق فيه مهنة المتاعب والعاملون فيها، وخصص جزءاً من برنامجه الحكومي الذي خلا من أي خطة عمل لإصلاح واقع الصحافة في العراق، سوى إشارة عابرة في الفقرة خامساً منه المتعلقة بمكافحة الفساد المالي والإصلاح الإداري، إذ أشار إلى "تمكين الصحافة الاستقصائية وحرية تداول المعلومات التي تحتاجها وسائل الإعلام لتكون رافداً لمؤسسات الدولة في متابعة ملفات الفساد"، لكن هل تضمن البرنامج إشارة أخرى تكشف عن اهتمام السيد الكاظمي بالسلطة الرابعة؟، للأسف كلا. إذا ما فرض السيد رئيس الوزراء على المؤسسات الصحفيَّة والإعلاميَّة قوانين تلزمها بضمان حقوق العاملين فيها، وطالب نقابة الصحفيين العراقيين بأنْ تكون نقابة حقيقيَّة تدافع عن كل من يعملون في هذه المهنة وليس فقط من يحملون هوية النقابة، وحتى هؤلاء النقابيون تعرض الكثير منهم لاعتداءات متنوعة ومتكررة ولم تحرك النقابة ساكناً. إذا ما نجح السيد الكاظمي بتأمين هذه الأساسيات المعمول بها في جميع الدول التي تحترم السلطة الرابعة، حينها ستكون لديه سلطة حقيقيَّة وفاعلة وضاغطة باتجاه طريق الإصلاح تشكل سنداً وظهراً للحكومة في مواجهة التحديات، وإيصال الفكرة والصورة الصحيحة عن عمل الحكومة ولفت انتباه المواطن الى الجوانب الإيجابيَّة.