هزيمة حزيران وأسئلة المراجعة

آراء 2020/06/03
...

علي حسن الفواز
 
هل كانت هزيمة حزيران عام 1967حدثاً سياسياً عسكرياً تقليدياً، أو كانت مخططاً ستراتيجياً للاطاحة بالنظام الأمني العربي، وتقويض رمزياته القومية، والثورية، والتاريخية والتي ترتبت عليها تداعيات نفسية، وانهيارات كبرى طالت المؤسسات والأفكار والهوية والتاريخ
 والذاكرة..
مراجعة خطاب الهزيمة تعني مراجعة كل المقدمات التي صنعتها، والتعرّف على الاسباب التي بررتها، والنتائج التي تحولت الى قضايا قهرية وعصابية لم يتخلص العقل العربي من أزمتها حتى الآن، على مستوى التعاطي مع اساسيات القضية الفلسطينية كموضوع مركزي، أو على مستوى فهم علاقة النظام العربي بذاته، وبمحيطيه الاقليمي والدولي، لاسيما تلك التي تخص علاقة الانظمة المركزية في مصر وسوريا والعراق مع الدول الكبرى، ومدى مسؤولية هذه العلاقة المشوهة عن صناعة اسباب الهزيمة القومية..فهل كانت تلك الهزيمة تعبيراً عن تضخم الأنا، أو هي تعتيم على سوء معرفة خفايا الآخر؟ ومن الذي يقف وراء ذلك التعتيم؟ فهل ثمة خيانات حقيقية داخل المؤسسات العسكرية العربية، أو انها نتيجة فشل عميق في ادارة المعركة، وفي الاستعداد 
لها؟هذه الأسئلة قد جرى الهروب منها طويلا، وظل تحميل الادارات السياسية والعسكرية مسؤولية الفشل والعجز، مثلما هو تحميل " الاستعمار الغربي" اسباب ماجرى، وبالطريقة التي تُعطي لـ" اسرائيل" العنصرية مجالا للكشف عن اوهام قوتها ورعبها وتوقها لإحتلال الأرض، وطرد ماتبقى من الشعب 
الفلسطيني.. كما أنّ هذه الاسئلة ليست بعيدة عن اسباب خفية، يتعلّق بعضها بسوء النوايا، وبحسابات لها مصالح واجندات سرية، وبعضها الآخر يرتبط بطبيعة التحالفات الدولية للانظمة العربية في المنطقة، ومدى جدية هذه التحالفات في التأثير على النتائج الكارثية للهزيمة، لاسيما ما يتعلق بالتحالف الستراتيجي مع " الاتحاد السوفيتي سابقا" والذي لم يكن مؤثرا في مواجهة ماتداعى من أحداث، رغم علم مؤسساته الاستخبارية بخطورة الاستعدادات الاسرائيلية، وبالدعم اللوجستي الستراتيجي للولايات المتحدة وبريطانيا للمؤسسة العسكرية الاسرائيلية في صناعة مشروع الهزيمة، بوصفها مشروعا له علاقة بالمصالح الدولية، وبترسيم الحدود التاريخية والسياسية في
 المنطقة..
حزيران ونهاية البطل القومي
يذكر محمد حسنين هيكل في كتابه "حرب الثلاثين سنة- ملفات السويس" بعضا من اسرار تلك الهزيمة، كاشفا عن الدور الاميركي في صناعتها، وعن علاقة ذلك بالخطة السرية المسماة " اصطياد الديك الرومي" والتي تقوم في جوهرها على استدراج الرئيس المصري جمال عبد الناصر اليها، وايقاعه في حبائلها، لأنه الشخصية الاستثنائية والمحورية والمُعاندة، والتي تحمل اسم " الديك الرومي" - بكل ما يحمله من حماسة ثورية، ومن رومانسية قومية- لها دورها في دعم حركات التحرر في المنطقة والعالم. جوهر الخطة يتمحور حول انهاء الوجود الكارزمي لشخصية عبد الناصر، وتقويض رمزيته القيادية، كعتبة لتفكيك مركزية التداول المفاهيمي لشعارات القومية والعروبة والتحرير، والتي كان عبد الناصر صانعا لكثير من خطاباتها المدوية سياسيا واعلاميا وثقافيا. انهاء فكرة البطل القومي كانت واحدة من أكثر تجليات الهزيمة، وربما من اهم دوافعها، إذ اسهمت الايام الستة في وضع ملامح تراجيدية للخطاب العربي، ولصوت البطولة الذي ظل يتكئ كثيرا على التاريخ، وسيرة الامة، وعلى قوتها الرمزية، إذ تحولت الهزيمة الى افق غائم لمعطيات تاريخية ونفسية، لها أثرها في نهاية مرحلة مهمة من مراحل التحول في الخطاب القومي، وفي اعادة صياغة التحالفات السياسية في المنطقة، فضلا عن التداعيات النفسية التي اسهمت الى حدّ كبير في تعطيب الخطاب الفائق بحمولاته الرمزية والثقافية، وبتميلاته الفكرية، لاسيما في سياقه المفاهيمي الذي يخص علاقاته بفلسفات الحرية والارادة والقوة، وفي النظر الى ماهو نقدي في مقاربات الهوية والسلطة والأمة وغيرها من الاشتغالات التي انكسر خطابها الرومانسي الثوري، وليجد المثقف العربي نفسه أمام نوع من الضنك والفقد، والبحث عن استيهامات انعكست كثيرا على صناعة صورة البطل الثقافي المهزوم، وعلى طبائع الخطاب الثقافي الغاطس في تهويمات وطلاسم التعمية 
والغموض..