الدَّولة بوصفها حكمَ المجتمعِ لذاته

ثقافة 2020/06/05
...

د. محمَّد حسين الرفاعي
 
[I]
يقوم [المجتمعيُّ] على بنى مجتمعيَّة أساسيَّة ثلاث. هي بِنيَة الثقافة، وبنية الاقتصاد، وبنية السياسة، بوحدتها في التاريخ- والتراث- والهَويَّة. أي في المؤسسة المجتمعيَّة. لكن، ما هو الأهم يبقى الانطلاقة. من أين نبدأ بالتساؤل عن الدولة، ضمن ثُنائيَّة [المجتمع- والدَّولة]؟ أنبدأ من المجتمع ونصل إلى الدولة؟ أم نبدأ من الدولة ونصل إلى المجتمع؟ 
 
[II]
إنَّ البدء بالتساؤل عن الدولة بواسطة الانطلاق من المجتمع إلى الدولة، يضعنا مباشرةً أمام مفهوم المؤسسة المجتمعيَّة. وإنَّ البدء بالتساؤل عن الدولة بواسطة الانطلاق من الدولة إلى المجتمع، يضعنا مباشرةً أمام مفهوم الآيديولوجيا المجتمعيَّة.
يُحدَّدُ مفهوم المؤسسة المجتمعيَّة انطلاقاً من ضرورة [التحديد المجتمعيّ- لـ- الفعل المجتمعيّ]، من جهة أولى، ومن ضرورة [الضبط المجتمعيّ]، من جهة ثانية، ومن ضرورة [التنظيم المجتمعيّ]، من جهة ثالثة. وهذا بدوره يرتبط بجملة وسائل تحديد، وأدوات ضبط، وتقنيات 
تنظيم.
كما يُحدَّدُ مفهوم الايديولوجيا المجتمعيَّة انطلاقاً من [حضور- الماضي- في- الحاضر]، من جهة أولى، ومن [التُّراث المجتمعيّ- الذي- يسود]: أي ذلك الجزء من الماضي المُعترف به، والسائد في المجتمع، من جهة ثانية، ومن الهَويَّة المجتمعيَّة: أي تلك الشبكة المعقدة من المُكَوِّنات والعناصر التي تُحدِّدُ كون الفرد ينتمي إلى هذا المجتمع بالتحديد، دون غيره، من جهة ثالثة. 
 
[III]
وإنَّ ذلك، يرتبط ارتباطاً مباشراً بالركائز المجتمعيَّة التي تقوم عليها الدولة، بوصفها [مؤسسة- المؤسسات- المجتمعيَّة]. أي بوصفها تلك المؤسسة التي تجعل من كل مؤسسةٍ مؤَسَّسَةً مجتمعيَّة، وتحجب كل الضروب المجتمعيَّة الأخرى من المأسسة. 
إنَّنا حينما نشير إلى الدولة، منطلقين من المأسسة، والمؤسسة، فإنَّ ذلك يرتبط بأننا نضع الدولة، من جهة كونها ضربَ تنظيمٍ، [على- الضِّدِّ- مِنْ- الفوضى]. إنَّ الدولة إنَّما هي ما يقع في هذا الموقع، في الوهلة الأولى. 
 
[IV]
فإذن، ما هي المضامين التي ترتبط بالركائز التي تقوم عليها الدولة، بوصفها كذلك؟ 
وفي أيَّةِ معانٍ تأخذ كل ركيزة معناها، والهدف منها، والمضمون الأساسي لها؟ 
I- الركيزة الأولى تتمثَّل بالوظيفة التي تؤديها الدولة إزاء المجتمع. وتتضمن معنى تقنين الفعل المجتمعيّ، من جهة أولى، كما تتضمَّنُ معنى بناء التكامل المجتمعيّ، بالانطلاق من المحافظة على التعدُّد، والتنوع، والاختلاف المجتمعيّ، في المعنى العامّ له، من جهةٍ ثانية، كما تتضمَّنُ معنى بناء مفاهيم، وأفكار، وتصوُّرات، وتمثُّلات عامَّةٍ- شاملة، عن معنى، وضرورة وجودها داخل الذَّوات الفاعلة مجتمعيَّاً، من جهة ثالثة. 
II- الركيزة الثَّانية تتمثَّل في التنظيم المجتمعيّ الذي تقوم به الدولة. أعني ما تقوم به على صعيد تحديد التشكُّلات المجتمعيَّة، والأدوار، والمواقع المجتمعيَّة المختلفة، ضمن سِستام يقوم على النص القانوني-
الإجرائي. 
III- الركيزة الثَّالثة تشتمل على معنى الإجماع المجتمعيّ، أي [الوحدة- المجتمعيَّة] التي تقوم على الحفاظ على [التعدُّد- والتنوع- الاختلاف] المجتمعيّ. ولكن الإجماع المجتمعيّ على ماذا؟ وكيف، وبأيَّةِ معانٍ، الحفاظُ عليه يكون؟ يكون الإجماع المجتمعيّ على المعاني الآتية: III-I- وحدة القيمة المجتمعيَّة، ووحدة الاختلاف حولها. III-II- وحدة التعدُّد المجتمعيّ، ووحدة الاختلاف حوله. III-III- وحدة حقل الصراع المجتمعيّ، ووحدة الاختلاف حول مضمونه، وكيفيَّة ممارسته.
 
[V]
إنَّ الدولة هي المجتمعُ الذي يحكمُ المجتمعُ ذاته؛ أو لا تكون. أعني بذلك أن الدولة إنَّما هو المجتمع الممثِّل للمجتمع الأصليّ، بواسطة هذا الأخير. وذلك يتضمَّنُ معنى وحدة العلاقة بين البنى المجتمعيَّة الأساسيَّة داخل مفهوم
الدولة. 
وفي عبارة صارمة، إنَّ الدولة إنَّما هي حكمُ المجتمع لذاته بواسطة بِنيَة الثقافة، من جهة أولى، وبذاته بواسطة بينة السياسة، من جهة ثانية، وفي ذاته بواسطة بِنيَة الاقتصاد المجتمعيَّة، من جهة ثالثة، ومن ذاته بواسطة بِنيَة الآيديولوجيا المجتمعيَّة، من جهة رابعة؛ أو لا تكون. ماذا يعني ذلك؟ إنَّه يعني أن المجتمعَ الذي يبلغ مستوى ضرورة [التحديد- التنظيم- الضبط]، يتوفَّر بعدُ على شروط إمكان قيام الدولة، بالانطلاق، دائماً قَبْلِيَّاً، من 
العالَميَّة.