كيف رسم الفنانون أثناء الطاعون؟

ثقافة 2020/06/05
...

جوناثان جونز
ترجمة: جمال جمعة
من عام 1347 إلى أواخر القرن السابع عشر، كانت أوروبا مطاردةً بالموت الأسود، ولكن الفن لم ينج فقط، بل ازدهر. فلماذا يخشى الأوروبيون المعاصرون إذن من الأوبئة؟
العصر الذي ارتقى فيه الفن الأوروبي إلى ذروة المجد كان عصر المرض والموت. في عام 1347، تم جلب الموت الأسود ـ لعله الطاعون الدَّبلي ـ بواسطة سفينة جَنَويّة إلى صقلية. في السنوات القليلة اللاحقة، أشارت التقديرات إلى مقتل حوالي ثلث مجموع سكان أوروبا. بعض المدن، مثل البندقية، فقدت أكثر من 60 ٪ من سكانها.
عصر النهضة كان تواً قد بدأ، والطاعون أيضًا كان في بداية عهده المرعب. الموت الأسود كان أكثر من مجرد انفجار للرعب من العصور الوسطى: ظلّ مواصلاً العودة. على مدى 300 عام لاحقة وأكثر أضحى الطاعون جزءًا منتظمًا من الحياة ـ والموت ـ في أوروبا. دمرت التفشيات الرهيبة المدن بشكل دوري. أقرب هذه الطواعين زمناً وأشدها رعبًا ذلك الذي ضرب لندن عام 1665 وتم وصفه بتفاصيل تثير القشعريرة في إحدى الروايات التاريخية المبكّرة، في عمل دانيال ديفو (مفكرة عام الطاعون).
هجوم كارثي آخر للطاعون ذبح سكان باليرمو في صقلية في عشرينيات القرن السابع عشر، وتم توثيق هذا التفشّي في معرض فني جديد، (فان ديك في صقلية: الرسم والطاعون، 1624 ) في غاليري دولويتش للرسم*. كان فان ديك، الرسام الفلامنكي الموهوب، يعمل في جنوة، حيث أعماله الرائعة قد نجت. ولكن عندما انتقل إلى باليرمو سرعان ما وجد نفسه محاطًا بالموت والرعب. المعرض يعرض فنه في ضوء هذا الوضع المخيف. 
إنه لمنظور مذهل، لكنه ليس سوى قمة جبل الجليد، لأنه إذا فكرت في الأمر، فإن قصة الفن في عصر النهضة والباروك مختومة كلها داخل مملكة الطاعون. أطبق الوباء بقبضته على جميع أنحاء أوروبا من عام 1347 إلى أواخر القرن السابع عشر، مع تفشيات في جنوب أوروبا تكررت بشكل متواتر في القرن الثامن عشر. وهذا يعني أن حياة جميع "الأساطين القدامى" قد عيشت تحت ظله: واجه مايكل أنجلو، ورامبرانت، والبقية جميعهم خطر أن يطبق الوباء القاتل على مدينتهم في أية لحظة.
بعض الفنانين العظماء توفوا بسببه، ربما من بينهم هانس هولباين وتيتيان، وآخرون حاولوا محاربته بالفن، مثل تينتوريتو الذي رسم أعظم أعماله في مبنى مدرسة سان روكو الكبرى في البندقية، وهو مبنى مخصص للقديس الحامي من الطاعون.
لكن أغرب شيء اليوم هو هذا.
يزخر الفن في هذه القرون بصور الموت، بالتأكيد، لكنه مليء بالبهجة كذلك. خلق الأوروبيون في القرن السادس عشر والسابع عشر كنوزًا مذهلة وفنارات للحضارة. بعيداً عن أن يكونوا مندفعين إلى اليأس بسبب الوباء، بدا وكأنهم كانوا يحثون على توكيد مجد الحياة.
في القرن الحادي والعشرين، ثمة رعب لا اسم له يطبق بقبضته علينا. نحن نخشى الأوبئة التي قد لا تأتي أبداً. نتخيل أنه إذا ضربت كارثة طبيعية مجتمعنا، فستكون النتيجة هي الانهيار التام. لكن التاريخ في الواقع مليء بالرسائل المتفائلة. لقد قاسى الناس من كوارث بالكاد يمكن للأوروبيين المعاصرين استيعابها، وخرجوا ليس للقتال فقط، بل للانتصار. انظر فقط إلى كاتدرائية القديس بولس، القبة المفعمة بالأمل التي نهضت من مدينة ابتلاها الطاعون عام 1665، ثم بالحريق الكبير إثر ذلك بوقت قصير ما استلزم إعادة بناء عمل كريستوفر رن من جديد.
يتمتع البشر بقدرة صادمة على الصمود. لديهم كذلك القدرة على السمو فوق الشفقة على الذات. إذا كان ذلك لا يبدو جلياً اليوم، فما عليك سوى التفكير في رسالة القديس بولس الهادئة في سماء لندن، وهي رسالة لنا من عصر البطولة اليومية.
 
* (المقال منشور سنة 2012) عن The Guardian