استفاقة على إيقاع هزيمة

آراء 2020/06/05
...

قاسم موزان
 
الاستغراق المفرط في العاطفة والاتكاء عليها  ازاء اية قضية من دون  فعل حقيقي، لن يحصد منها إلا الخيبات المتتالية والتصدعات النفسية، ولعل القضية الفلسطينية او القضية المنسية انموذج صريح لهذا الافراط، واصبح الخوض فيها ضربا من الثرثرة الثورية البائسة بعد ان احيلت الاوراق الفلسطينية بتفاصيلها الانسانية  برمتها الى خزانة الاحداث التاريخية المهملة، وهذا ينطبق على معظم حقوق الشعوب العربية الضائعة بسبب التجاذبات السياسية او النزق الشخصي للحكام المتسلطين، وعملت الماكنة الاعلامية والاناشيد الحماسية منذ النكبة على تأجيج وشحن العاطفة الشعبية التي بشرتها بقرب تحرير الارض المحتلة من العدو الصهيوني ورمي اسماله في البحر، هذا الشحن العاطفي لم يعد كافيا لاقناع الجماهير المتلهفة لتحقيق انتصار على العدو الاسرائيلي بعمل عسكري حاسم، لاسترداد الحقوق المشروعة وعودة اللاجئين الى ديارهم المسلوبة، إلا ان الجماهير استفاقت ذات صباح مشؤوم من تأثير مخدرات الشحن العاطفي على ضربة اسرائيلية استباقية  نفذها طيرانها العسكري بضراوة على المطارات العربية، هذه المفاجأة اقعدت القدرات العسكرية، وكان ذلك في صباح 5 حزيران في العام 1967 ، واستطاعت اسرائيل ضم اراض جديدة في سيناء والجولان والضفة الغربية، لضمان اكثر لأمنها الستراتيجي من اية هجمات او مغامرة محتملة او تدفق الفدائيين، ولم تخجل انظمة الحكم من الهزيمة المدوية، وتبادل الحكام انذاك الاتهامات واللجوء الى التبريرات غير المقنعة.
 هزيمة الجيوش العربية لم تذهل العالم الذي يدرك امكانية اسرائيل العسكرية وقدراتها الهجومية والدفاعية، فضلا عن امكانية اسرائيل في استثمار الشعارات العربية الجوفاء لصالحها، ونالت تعاطف الدول في العالم . اطلقت الماكنة الاعلامية الصدئة على الهزيمة  مسمى ساذجا " نكسة "، وتداولته في ما بعد الادبيات العربية من دون التمعن به، وطرأ تغيير بسيط في خطابها الموجه واخذت تطالب العالم بالضغط على اسرائيل لاسترجاع الاراضي الجديدة الى اصحابها عوضا عن تحرير فلسطين!!. وارتفع  صوت نشاز، صوت تمويهي اخر " ما اخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة " لخداع البقية الباقية من  المخدوعين الحالمين . 
قدمت اسرائيل خدمات جليلة لقادة الثورات والانقلابات في سوريا ومصر اللتين خرجتا في حرب  1948 مهزومتين، إذ تصدرت بياناتهم الاولى اعتبار فلسطين القضية المركزية التي لا يمكن التنازل عنها، وعدم التفريط بشبر من اراضيها المغتصبة، وكل شيء من اجل المعركة،  الى غيرها من شعارات الماكنة الاعلامية التي لم يتغير خطابها التعبوي، وتحول المال الوطني لدول المواجهة الى شراء الاسلحة والمعدات العسكرية، ولهذا تعطلت القدرات البشرية والتنموية للبلدان العربية ، في حين يحقق الطرف الاخر في النزاع انجازات مدنية وعمرانية لافتة.. مع كل هذا التسليح المفرط، خرج العرب من الحرب خاسرين مطمئنين الى الى نصر قريب تصنعه ادعية ثيوقراط السلطة 
والشعراء . بعد عام الهزيمة نشطت الفصائل الفدائية ضد اهداف عسكرية محدودة، لاقت الدعم المالي العربي بحدود معينة، إلا انها سرعان ما تحولت الى ادوات ايديولوجية وسياسية للدول العربية الداعمة،  وهذه هزيمة أخرى للحق  الفلسطيني .