وباء آخر

آراء 2020/06/06
...

سعدي السبع
 
بالرغم من كل الاكتشافات الدوائية والطبية لمعالجة مختلف الامراض الخطيرة  التي تصيب الانسان، الا ان وباء كورونا الذي دهم العالم كشف عن تخلف الانظمة الصحية في دول عدة، وذلك بغياب الاستراتيجات العلمية وتدني الكفاءة التي تبادر للتعاطي مع امراض فتاكة جديدة، وعند ظهور اجيال متطورة من الفيروسات القاتلة، ذلك رغم التخصيصات المالية الكبيرة والاعلانات والتصريحات الكثيرة التي تطلق بتحقيق الانجازات وتنفيذ خطط الوقاية والرعاية والتطور في المجال الصحي .
وانشغلت العديد من الانظمة السياسية بمشاغل ومشاكل الخلافات، ولهاث الاستحواذ على السلطة، من دون اكتراث لمعاناة الناس في وقت يحتم على الدولة ان تتكفل بتأمين احتياجاتهم الطبية والمعيشية، والتي لابد من أن تتضمن برامجها أولويات تقديم الخدمة وحماية ارواح المواطنين والتخفيف عن كاهلهم وتحسين اوضاعهم، في مختلف المجالات وفي مقدمتها الواقع الصحي، بما تكفله الدساتير ومواثيق حقوق الانسان .
وفي احيان كثيرة كانت السياسة السلطوية وباء على المواطن، بانعدام الدور المؤثر للدول والحكومات، وتجلى ذلك من خلال معاينة الاصابات والوفيات المليونية بسبب فيروس كورونا، إذ وقف العالم اجمع عاجزا امام اكتشاف علاج جديد لدرء مخاطر المرض الذي اجتاح كل بقاع المعمورة، مع استمرار الاكتشافات العلمية التي لا تمس حياة الانسان بشكل مباشر، مما دعا البعض الى ان يطلق على بعضها تسمية ( ترف علمي )، في زمن يموت الناس فيه يوميا، ورأينا ذلك قبل ايام في انجاز علمي جديد  هو اطلاق الصاروخ ( فالكون 9 ) من قبل وكالة ناسا في رحلة فضائية جديدة، بمشاركة رواد فضاء من امريكا، في يوم تسجل فيه الولايات المتحدة اعلى ارقام الوفيات والاصابة بفيروس 
كورونا !.
ولاشك في ان كل الانجازات العلمية والتقنية ضرورية ومفيدة للشعوب والبشر، من اجل ادامة الحياة وتطورها نحو الافضل، باستثمار التقدم العلمي للصالح العام، ولكن لابد من ان ينعكس ذلك ايجابيا على الاهتمام بالبنى التحتية للصحة العامة والاستجابة للمتغيرات المحتملة، والقدرة على مواجهة الاوبئة والامراض والكوارث، فضلا عن اعتماد النمو السكاني وزيادة حصة الفرد من الرعاية الصحية من الموازنة المالية العامة، لكي تكون المراكز الصحية بمستوى نوعي متقدم، لكي لا يضطر المواطن جراء سوء الخدمة في المؤسسات الحكومية الى اللجوء الى الطب الاهلي الفاحش الذي يتاجر بالبشر من دون اي اعتبار انساني واخلاقي ولا غاية له غير جني الاموال .
وعليه لابد من أن تكون الصحة اولا، الى جانب الاهتمام بالقطاعات الاخرى للحفاظ على حيوية وعافية المجتمعات، لكون تراجعها سيخلف مشاكل كثيرة في السياسة والاقتصاد ايضا، ويشل مرافق الحياة الاخرى كذلك، وهذا ما حصل بعد تفشي وباء كورونا.