القسوة والعنف في أساليب الشرطة الاميركية

آراء 2020/06/06
...

زهير كاظم عبود 
 
 
ضمن التوصيف القانوني لجريمة قتل المواطن الاميركي جورج فلويد ( 46 عاما)، فإنها جريمة قتل عمد، قام بارتكابها عنصر من عناصر الشرطة الأميركية، والشرطة جهاز معني بتطبيق قرارات العدالة والقانون، ويلزم كل عنصر من عناصرها سلوك الطريق القانوني بالقبض على أي متهم ارتكب جناية مشهودة أو صدر أمر بالقبض بحقه، وفي النظم الديمقراطية وغير الديمقراطية، يخضع أي فرد في ممارسة حقوقه القانونية وفقا لما يرسمه الدستور وتنص عليه القوانين، 
والشرطة في جميع الأحوال جهاز معني بخدمة وحماية المجتمع، ولا سلطة لرجل الشرطة، سوى التطبيق القانوني السليم . حادثة القبض على المتهم جورج فلويد بزعم انه متهم بترويج نقود مزيفة تم تصويرها من قبل مواطنين قريبين من موقع الحادث، وعنصر الشرطة الذي حدد حركة المتهم أفرط باستعمال القوة والقسوة في تقييده، وإذ كان مقيد اليدين للخلف، وهناك عناصر شرطة آخرون يقيدون حركته، فإن جلوس أحد أفراد الشرطة بثني ركبته فوق رقبة المتهم ليس له مبررا ، كما أن المتهم كان يطلق عبارات انه لا يستطيع التنفس مرات عديدة ، ولم يكن عنصر الشرطة مكترثا لاستغاثته، وربما كان مستهينا بطلبه ، وبالنظر لتكرار طلب المتهم أن يتنفس من دون جدوى، فإن الشرطي كان مصرا على ارتكاب جريمة القتل العمد، وحين ستتم محاسبته والتحقيق معه ، سيتم التأكيد على عدم وجود قصد جنائي في القضية ، وأن الأمر لا يعدو إفراطا باستعمال القوة ، ويتم إصدار حكم خفيف لا يتناسب مع حقيقة الجريمة . 
والمجني عليه فلويد يعمل حارساً في أحد مطاعم المدينة، وأوقفته عناصر الشرطة خلال بحثهم عن مشتبه به في عملية تزوير عملة ، ووفقا لبيانات نشرتها جريدة الواشنطن بوست، فان 1014 شخصاً أسود، قتلوا على يد الشرطة في عام 2019 .
واللافت للنظر أن تعامل الشرطة مع المواطنين السود اكثر قسوة وافراطا باستعمال أساليب العنف من غيرهم، وهناك قائمة من المجني عليهم من المواطنين السود الذين تم قتلهم من قبل الشرطة الاميركية ، وتمت تبرئة الجناة في العديد من هذه 
الجرائم . 
ان الشرطة الاميركية قتلت أكثر من شخصين في اليوم هذه السنة كمعدل وسطي. وبحسب الصحيفة التي حققت بشأن جرائم قتل في سائر أرجاء البلاد، فان ما لا يقل عن 385 شخصا قتلوا على يد الشرطة في الولايات المتحدة منذ كانون الثاني، وهذا العدد ظاهرة تدفع الى انتشار عدم الثقة بجهاز الشرطة ، وضعف الثقة ايضا بالعدالة والقضاء .
وما يدفع لاستعمال القوة عند الاعتقال هي حالة الدفاع عن النفس واستعمال المتهم أسلحة مميتة، وعند حدوث مقاومة قد تؤدي الى حالة من الموت او الجرح او الإيذاء لدى رجل الشرطة، بالإضافة الى الاعتقال عند التلبس بارتكاب جناية ، أو حماية لحياة أخرى مهددة بالموت .  
وتشكل ظاهرة الإفراط باستعمال القوة لدى الشرطة الأميركية حالة من التعسف وسوء استخدام السلطة، ما جعل النظرة الاجتماعية الشعبية تشير الى وجود تمييز عنصري واضح في عمل الشرطة، وتهاون واضح أيضا في عمل الجهاز القضائي تجاه مثل تلك الجرائم ، ومن يتابع الجرائم التي يتم ارتكابها سواء عن طريق الخطأ او التسرع أو الشك ، وخصوصا التي يتم ارتكابها ضد المواطنين السود ، يرى فعلا وجود تمييز عنصري مبطن يؤدي الى غليان وإدانة واستنكار لمثل هذه الجرائم . 
وعبثا تخلصت الولايات المتحدة  من لطخة سياسة التمييز العنصري ضد السود ، ودفعت في سبيل ذلك ثمنا باهظا، إلا أنها تتراجع في هذا الملف مهما كانت التبريرات ، او التخفيف من وقع الصدمة . 
 ولا يغني الإجراء الذي اتخذته الشرطة المحلية من إعلان ان الشرطي مرتكب الجريمة أريك كاسبولت، الذي أوقف عن ممارسة مهماته، قد استقال بصورة نهائية من الشرطة، فالجريمة وقعت وشكلت دافعا لهياج شعبي وانفلات امني راح ضحيته عدد من المواطنين وانتهكت حرمات واموال ، وأضحت الناس مرعوبة
 وخائفة . 
يتضح ان الأساليب الخاطئة والممارسات غير القانونية التي تتم ممارستها من قبل عناصر الشرطة، تؤدي حتما الى وقوع تلك العناصر تحت مسؤولية القانون ، وتتحمل نتائج تلك الأفعال ماديا ومعنويا ، غير ان تلك الممارسات تؤدي بالنتيجة الى حالة من السخط والتذمر والرفض المتراكم الذي يسيء الى الحكومة قبل ان يسيء إلى جهاز الشرطة ، ويجعل المواطن ينظر بعين الغضب والريبة لتلك الممارسات ، في حين أن جهاز الشرطة والأمن وجدا لحماية أمن المواطن وخدمته ، مما يستوجب أن تكون هناك حالة من الوعي والمعرفة بحقوق الإنسان بشكل عام، وبالحقوق الفردية للموطن بشكل 
خاص . 
إن جميع الأرواح البشرية لها قيمة وقداسة واحترام ، والمتهم مهما كانت جريمته بريء حتى تتوفر أدلة الإدانة، وفي مثل هذه الحالات تعالج المحكمة حالة التناسب في استعمال القوة المميتة ولا توجد طريقة غيرها، وعدم القدرة على تقييد حركة المتهم، وهو ما لم يتوفر في قضية مقتل المواطن الأميركي جورج فلويد في عملية اعتقاله، وحالة الغضب تعدت المدن الأمريكية لتنتشر في عواصم أخرى ، جميعها تعبر عن حالة التردي في اداء الأجهزة التنفيذية للشرطة وأجهزة الأمن ، التي خرجت عن إطارها المحدد المرسوم وفق القانون .