استعراضية (سانت جون)

آراء 2020/06/08
...

حسين الذكر

مع أن الأرقام تختلف جوهريا بين غلة الحصاد وحسابات البيدر، إلا أن الإحصاءات بصورة عامة كانت وما زالت وستبقى علما حضاريا، يعطي مؤشرات ودلالات، ويقود الى نتائج فاعلة، منذ وضع ارسطو مبادئها في اكاديمية المشائين بقلب أثينا، حتى خارطة شبكة عنكبوت العولمة .. وهنا تظهر بيانات نشرتها صحيفة "واشنطن بوست"، أنّ 1014 شخصاً أسود، قتلوا على يد الشرطة في عام 2019. وتبيّن عدّة دراسات أن الأمريكيين السود أكثر عرضة كضحايا للشرطة مقارنة بالأعراق الأخرى، معززة بإعلان منظّمة Mapping Police Violenceغير الحكومية في دراسة أجرتها، أنّ السود يقتلون على يد الشرطة، أكثر بثلاث مرات من البيض. لم تعد قراءة وفهم المشاهد – وان كانت حية - كما تعرض على عواهنها، فثمة لغة شيطانية تقف وراءها بشكل مباشر او غيره . ان القوى العظمى تختلق وتوظف كل شيء لمصالحها الخاصة، عبر سينارست الظلام المستتر بخبايا عصية الادراك قد لا تظهر النتائج فيها على قائمة حساب علنية آنية، لكن السيطرة العالمية والاستغراق في الهيمنة والتسلط والترف التقني على حساب الأمم وخيراتها وشعوبها، قد يثبت مجرى الاحداث وامتلاء الغلال وطوابير الضحايا جميعها قد تسهم بان يدرك العالم البريء الأهداف الحقيقية بعد زوبعة تصاعدية يقودها اعلام اسود مضلل، يحدث عادة بعد عقود وربما قرون، تكون فيها قد طارت الغربان واعدم البطل واسدلت ستائر النسيان ... ولم يعد لاعترافات المتهم قيمة الا مجرد سطور في مساحة اعلامية تضليلية ضيقة جدا .. فعندما انتشر خبر مقتل الأميركي جورج فلويد ( ذي القلب الابيض) وان طغت بشرته السمراء على المشهد ، لم اكن افكر في كيفية مقتله بهذه البشاعة، بقدر ما صب جل اهتمامي على أسباب اخراج هذا المشهد وتوقيته وتسريبه وتحريك الراي العالم العالمي ضده، وما يخبئ للعالم من ورائه .. فثمة تاريخ اسود للقوى المهيمنة ينبئنا دوما عن جرائم يندى لها تاريخ البشرية، ترتكب في جميع بقاع العالم لصالح تلك القوى التي تحمل أسماء معينة وأنظمة مختلفة طوال التاريخ، لكنها تتشابه في ما ترتكبه من مذابح علنية بحق الاكثرية المسالمة .. ويخطئ من يظن ان هولاكو وجيوشه التترية هي الأشد فتكا تاريخيا، وان دونت ماساته في بطون الكتب .. فما ارتكب – على سبيل المثال - في العراق خلال عقود خلت من (حروب واعدامات وحصار واغتيالات وسجون ومقابر وتفجير وتفخيخ وإرهاب وفساد .... فضلا عما نراه ونقرؤه عما يحصل في مناطق ودول أخرى لها ذات الراس ( الافعوية )، يعد اشد فتكا وبشاعة وخسة مما ارتكب في أي زمكان ما .

يذكر ان شبكة سي.إن.إن الأميركية نقلت خبر غضب ترامب من كشف مخبئه السري في قبو البيت الأبيض، بعد احتجاجات العالم الحر ضد العنصرية والاستغلال والبشاعة والاستعمار والهيمنة، وان انطلقت شرارتها من خلال عرض مشاهد من ( دراما ماساة مقتل جورج فلويد ) .. وقد قرر الرئيس ترامب الرد على تلك الاخبار غاضبا، بعد ان ظهر واستعرض ماشيا وهو يرفع الكتاب المقدس، ويلتقط بعض الصور امام كنيسة سانت جون القريبة من البيت الأبيض، التي شهدت استخدام الغاز المسيل للدموع من قبل الشرطة الامريكية ضد المناهضين للعنصرية والاستغلال بكل انواعه، في ما يشبه الختم على تقنيات متطورة دقيقة لم تعد لها قدرة اثبات الرقي والتحضر في ظل سحق حقوق الانسان.