ثقافة أم ثقافتان ؟

ثقافة 2020/06/08
...

 مالك مسلماوي

عودة الى ثنائية الداخل والخارج في الثقافة العراقية , وهي مقولة انفردت بها الثقافة لهجرة او تهجير مثقفين عراقيين لأسباب سياسية  في الدرجة الاولى .. وعليه نشأ  مصطلح جديد ( ثقافة الخارج )، استدعى مصطلحا مقابلا هو (ثقافة الداخل) , والمصطلح الاول يخص ما انتجه المثقفون العراقيون في بلاد المهجر، للتمييز بينه وبين ما ينتجه مثقفو الداخل الذين  تشبثوا بالبقاء، او الذين لم تسنح لهم الفرصة للبحث عن وطن ثان تحت الضغط السياسي ضد المعارضين للنظام, وما لحق بهم من الاذى والتهديد حد التصفيات الجسدية .. ولا حاجة – هنا - الى تفصيل في الظروف التي واجهتها الثقافة العراقية نهاية القرن العشرين ..لان الجميع على معرفة تامة بها , وفي الوسط الثقافي بات الجميع على دراية بحيثيات المقولة التي واجهت اعتراضا من بعض الجهات، بينما اقتنعت بها جهات اخر.. اقصد (ثقافة الداخل/ثقافة الخارج).السؤال الذي يحتاج الى اجابة مقنعة هو هل انتج مثقفو الخارج ثقافة اخرى لها ملامح خاصة تختلف في شكلها ومضامينها عن ثقافة الداخل ؟ و للإجابة نقول : من الطبيعي ان يتأثر المثقف بالبيئة الجديدة، وان يعبر عن مدى هذا التأثر النسبي للصلة المعروفة بين الثقافة والبيئة، على اساس ان الثقافة هي نتاج بيئة لا تنفصل عنها، فهي انعكاس للواقع وتعبير عنه بأساليب فنية مختلفة.. هذا التأثر إذاً هو حقيقة لا يمكن نكرانها , ادت الى ما ادت اليه من طروحات واراء وانتجت افرازات تتصل بسيكولوجية التفاعل مع الآخر على اساس النظرة الى الهوة الحضارية بين بيئتين : الوطن (المتخلف) و (الآخر) المتقدم.. الامر الذي انتج شعورا بـ(مركب نقص) تجاه الآخر لدى المواطن العراقي، سواء أكان في القاع او على قمة الهرم الثقافي حتى!والحقيقة التي يعترف بها الجميع , اننا شعب متخلف , لكن ما نقف ضده كمثقفين، هو ان الشعور بمركب النقص ينسحب الى شطر الثقافة الواحدة الى ثقافتين تتمايزان، فتعلو احداهما على الاخرى ضمنيا .. والفت النظر هنا الى امر ذي حساسية تتمظهر على سلوكيات سالبة تتعاطى بها بعض المؤسسات الثقافية والاعلامية والاشخاص، مبنية اصلا على العامل السيكولوجي الذي اشرت اليه آنفا , ويمكن للمتفحص قراءتها ومعرفة بواعثها , منها المبالغة (الاحتفائية),  وحجم المساحة المعطاة لمثقف دون آخر، ليس على أساس المنجز، انما على اسس غير ثقافية .. ربما تستند ايضا الى اعتبارات وعلاقات شخصية،  مما يندرج تحت (مرضية) الثقافة العراقية..   نعم , هناك مثقفو خارج ومثقفو داخل , في ثقافة واحدة لا ثقافتين . وانا لست ضد تكريم المثقف العراقي، بغض النظر عن مرجعياته الاجتماعية  والجغرافية , وبخاصة من اضطر لترك وطنه في ظروف قاهرة , ولكن بمعايير الابداع وليس بمعايير اخرى, فكثير منهم قدم انجازات كبيرة تستحق الاحتفاء بأعلى الدرجات , بشرط أن لا تكون هناك يد عليا ويد سفلى خارج المعايير الثقافية الحقيقية.