نريد أن نتنفس

آراء 2020/06/10
...

د. كريم شغيدل
هل ثمة ربيع أميركي؟ هل ثمة ثورة حقيقية ضد التمييز العنصري في أميركا والعالم؟ منذ القرن السابع عشر دخل نظام الرق إلى أسس العالم الجديد، وصار جزءاً من تشريعاته الدستورية، وكانت مستعمرة فرجينيا أولى المستعمرات التي جلبت العبيد بعد وصول سفينة تحمل(20) أفريقياً، وتوالت شحنات الكتل البشرية من الأفارقة ثم مواطني أميركا اللاتينية تتوافد لتباع في الأسواق بصفة عبيد، وتخلل ذلك تاريخ بشع من العبودية والتمييز العنصري، وحروب أهلية دامية، حتى إقرار التعديل الثالث عشر للدستور في العام 1865م، طبقاً لإعلان لنكولن، مع نهاية الحرب الأهلية، لكن هل توقفت الممارسات العنصرية؟ 
لم تنتهِ الممارسات العنصرية حتى يومنا هذا، وآخرها جريمة قتل المواطن من أصول أفريقية جورج فلويد، وسبق ذلك مقتل آلاف السود على أيدي قوات الأمن والشرطة الأميركية، وحتى من الناس العاديين، ولطالما شهدت الولايات الأميركية اضطرابات وأعمال عنف على خلفية جرائم واعتداءات عنصرية، لكن لم يحدث أن صرح رئيس أميركي بالعنصرية مثل ما يفعل ترامب، بل إن العنصرية ضد المسلمين والمهاجرين عموماً كانت جزءاً حيوياً من حملته الانتخابية، وها هو اليوم يتوعد ويهدد ويأمر بنزول الجيش الوطني إلى الشارع لقمع المحتجين.
(أريد أن أتنفس) عبارة فلويد الذي كررها وهو ينازع سكرات الموت تحت ركبة الضابط الأبيض الضاغطة على رقبته، صارت الأيقونة اللفظية لثورة عارمة عمت مختلف أنحاء العالم، بعدما تخطت الحدود الأميركية، كما أن صورة الضحية أصبحت الأيقونة البصرية للثورة ضد العنصرية، ورب قائل يقول: ما دخلنا بأزمات أميركا؟ لقد ذهب خيرة شبابنا ضحايا للعنف الدائر في البلاد منذ 2003 حتى الآن؟ نعم.. ألم يكن جزء من العنف الذي ابتلينا به هو نتاج أميركي؟ ألم يكرس الأميركان مبدأ المحاصصة الطائفية والعرقية التي كانت خلفية للعديد من الصراعات؟ ألم ينطلق البعض من تمييز عرقي طائفي لتبرير العنف ضد الآخر؟
نريد القول إن أميركا تسقى من كأس السم نفسها التي سقت بها الشعوب، فزرعت الفتن الطائفية، ووظفت الخطاب المتطرف، وزعزعت أمن الشعوب، خدمة لمصالحها، وإذ نطالب بالقصاص من كل القتلة والمارقين الذين استباحوا الدم العراقي، إنما نضم صوتنا بالضرورة لصوت الإنسانية المطالب بالقصاص من قتلة جورج فلويد وآلاف الضحايا، لوقف نزيف الدم على الكرة الأرضية.
(أريد أن أتنفس) تحمل معنىً مجازياً في طياتها، وتصلح أن تكون شعاراً إنسانياً غير مؤدلج، للتحرر من تابوات الخوف، وسلطات القمع، وسطوة العنف والإرهاب، وتسلط الاستبداد، وسموم التمييز والطائفية والتطرف والتكفير وإقصاء الآخر المختلف، وللتحرر من كل أشكال العبودية الحقيقية والرمزية، من ثقافات الكراهية والبداوة والتوحش، وعقائد القتل والتنكيل، وشريعة الغاب التي تحكم عالمنا اليوم على مختلف المستويات... فالعالم كله اليوم يريد أن يتنفس.. نعم.. نريد أن نتنفس..