صفاء إبراهيم الموسوي *
ما زال الحديث منذ أشهر يعلو ويخبو عن إجراء انتخابات مبكرة في العراق، بعد موجة الاحتجاجات التي اجتاحت البلد منذ تشرين الأول من العام الماضي، والتي طالبت بإجراء الإصلاحات في البلاد على أكثر من صعيد، ومحاربة الفساد وتوفير الخدمات والوظائف.وكان من مخرجات هذه الحركة الاحتجاجية الأبرز استقالة الحكومة، وتعديل بعض القوانين كقانون التقاعد، وقانون المفوضية، وقانون الانتخابات، التي لم تخل من جدل حتى بعد تعديلها، إذ ظل القانون الأخير غير مكتمل ومعلقا على إحدى المواد الأساسية التي لم يبت بها مجلس النواب حتى الآن، وهي المادة المتعلقة بتقسيم الدوائر الانتخابية.
وفي خضم هذا الجدل الدائر، طرأ تحدٍ إضافي لم يكن في الحسبان، ألا وهو تفشي "وباء كورونا" أو ما يعرف بفيروس "كوفيد 19" المستجد، الذي بدأ ظهوره في الصين وانتشر على نطاق واسع في العالم، بحيث لم تصمد أمامه الكثير من البلدان المتقدمة التي تمتلك أفضل الأنظمة والأجهزة والبنى التحتية الطبية، فضلا عن باقي الدول، وكانت أرقام الخسائر بالأرواح في الولايات المتحدة وأوروبا والصين وغيرها، صادمة للجميع، واحتجز الوباء ملايين البشر في بيوتهم منعاً للعدوى وتفشي المرض. إن تحدي إجراء الانتخابات في أي مكان في العالم مع وجود "وباء كورونا"، هو حديث الساعة في أروقة المنظمات الدولية العالمية، مثل "منظمة AWEB ومقرها في كوريا الجنوبية" التي تضم جميع الإدارات الانتخابية المعنية بإجراء الانتخابات في العالم، والإقليمية مثل "منظمة Aceeeo الأوربية" التي تضم الإدارات الانتخابية الأوروبية وغيرها، فقد شهدت الفترة من (21 شباط من هذا العام) ولغاية (23 آيار) تأجيل الانتخابات البرلمانية والمحلية في ما لا يقل عن 62 بلداً واقليماً في جميع أنحاء العالم بسبب تفشي الوباء، كما قرر بالمقابل 26 بلداً واقليماً اجراء الانتخابات الدورية، سواء أكانت وطنية أم محلية في موعدها المحدد، وكما كانت مقررة أصلا على الرغم من التحديات الحالية، إذ أن تأجيل الانتخابات، وعدم إجرائها في موعدها، قد ينطوي على خطر أن يكون التأجيل مدفوعاً بأجندة سياسية لإطالة ولاية شاغلي المقاعد في المجالس النيابية أو المحلية بصورة غير ديمقراطية، علماً أن العملية السياسية، وأجهزة الدولة، تكون أمام اختبار حقيقي لمصداقيتها أمام الرأي العام المحلي والدولي في أوقات الأزمات أكثر من أي وقت آخر. إن تبني الحكومة الجديدة لإجراء الانتخابات المبكرة كجزء من برنامجها الحكومي الذي أقره مجلس النواب، سيضعها أمام تحدٍ حقيقي في ظل وجود "جائحة كورونا" التي لا يعلم أحد حتى هذه اللحظة الى أي مدى ستستمر، بالإضافة الى عدد من التحديات الخاصة بالواقع العراقي التي تحتاج الى تشريعات وقرارات وحلول، باعتبار أن موضوع إجراء الانتخابات لا تتحمل مسؤوليته الحكومة لوحدها، وإنما هناك مسؤوليات مناطة بالسلطات الأخرى، ومن أهمها بحسب الأولوية:
1 - اكمال مجلس النواب تشريع المادة المتعلقة بتقسيم الدوائر الانتخابية بما يضمن تحقيق انتخابات حرة ونزيهة، ومعبرة بشكل حقيقي عن تمثيل الشعب وبما يخدم مصالحه، بعد استيفاء الجوانب الفنية المتعلقة بتقسيم الدوائر، من خلال إشراك المفوضية والخبراء المحليين والدوليين في هذا المجال.
2 - استكمال المفوضية لتعيين الكوادر الخاصة بالمناصب التي جرى إعفاء شاغليها بموجب التعديل الأخير، وبحسب الآلية المعدة من قبلها، ليتسنى لها الإعداد للجدول العملياتي الخاص بالعملية الانتخابية القادمة، واستكمال مستلزمات العملية الانتخابية اللوجستية والإدارية.
3 - توفير الأموال اللازمة لإجراء العملية الانتخابية من خلال وضع الحلول والمعالجات المناسبة لتوفيرها، ومن الممكن ترشيد بعض النفقات من خلال وضع برنامج يقتصر على النفقات الضرورية فقط، والاستعانة بموظفي الدولة كموظفي اقتراع، بعد وضع برنامج تدريبي لهم، لضغط النفقات الى أدنى حد ممكن.
4 - إذا استمرت "جائحة كورونا" لمدة طويلة "لا سمح الله" فإن إجراء الانتخابات المبكرة بعد تحقيق الأولويات أعلاه، سيحتاج الى قرار من الحكومة، بعد التشاور مع المفوضية وخلية الأزمة الخاصة بالجائحة والجهات الأمنية، ومصادقة البرلمان على هذا القرار.
إن إجراء الانتخابات المبكرة بحاجة الى توفر النيات الصادقة والحقيقية لدى الأطراف جميعاً لإجرائها، فمع كمّ التحديات التي أشرنا إليها، سيكون من الممكن تجاوزها وتذليلها إذا توفرت الإرادة الحقيقية لدى الجميع. ومع وجود الملاحظات هنا وهناك، يبقى اتباع الوسائل القانونية والدستورية والتمسك بالخيار الديمقراطي والمؤسسات القائمة، أسلم وأفضل الطرق للظفر بالحقوق وبناء المستقبل.
عضو مجلس المفوضين الأسبق