{قيصر} أقسى الشهور

آراء 2020/06/13
...

حسن جوان
 

تستعد سوريا الى جانب لبنان لتداعيات تفعيل قانون "قيصر"، الذي يتضمن احدى اقسى أنواع العقوبات الاقتصادية الاميركية وطأة على البلدين، رغم انها موجهة في مضامينها النصّية نحو سوريا وحلفائها بشكل قانوني، لكن هذه العقوبات في امتداداتها لن تستثني كل من يمدّ يد العون للاقتصاد السوري من حلفائه التقليديين صراحة. وقد تلقت الأسواق المالية السورية أولى الصدمات الكبيرة في غضون هذا الأسبوع عبر انهيار تاريخي لعملتها الوطنية "الليرة"، إذ فقدت نحو سبعين في المئة من قيمتها التداولية في مقابل الدولار، إضافة الى تخبط كبير في مضاربات الأسواق الرسمية والسوداء على حد سواء، في تسابق انعكس بشكل كارثي على سعر الليرة والقوة الشرائية لها، لدى مختلف الطبقات الفقيرة والمتوسطة المصابة بالصعقة والجمود لتلقي الضربة الأولى للاصطدام الواقعي بحلول موعد سريان قانون قيصر. وهذا القانون هو عبارة عن حزمة عقوبات قاسية جداً، عملت مراكز القرار الامريكية على انضاجها قرابة من سنتين، بناء على شكوى اتخذت طابعاً دوليا تستند الى وثائق صورية وفيديوية قدمها معارض سوري للمنظمات الدولية وللادارة الاميركية، تظهر – بحسب ادعائه - حجم القسوة المفرطة التي يمارسها النظام السوري في التعامل مع معارضيه في السجون، وإزاء افراد من الحركات التي نادت بتغيير النظام تزامنا مع ما يسمى بـ"بالربيع العربي" حتى وقت تقديم تلك الوثائق. لكن آثار تلك العقوبات المشددة سوف تلقي بقسوتها لا على حلفاء سوريا المعلنين والسريين، بقدر ما سوف تنعكس على المواطن السوري البسيط الذي يعاني أصلا من سوء ظرفه المعاشي، وسط حصار دولي منذ قرابة عشر سنوات. صانعو هذه القرارات الضاغطة يعون هذه الحقيقة الأخيرة، ويعتبرون هذا الضغط جزءاً من حفر المزيد من الفجوات بين المواطن السوري وحكومته، ما قد يؤدي مجددا الى تفكك العلاقة ومن ثم الدولة الحاكمة، وهو ما تهدف اليه كل القرارات الدولية السابقة والصراع المسلح القائم هناك، الذي أدى الى جعل سوريا حقلا مفتوحا لاستقطابات عدة تتجاذب بشكل يومي بينها على تلك الساحة الهشة. يجري كل ذلك وسط واقع لبناني لا يقل احتداما وسوءاً، من انهيار كبير في الليرة اللبنانية، وشلل شبه تام في القطاعات العامة والخاصة، ما يلقي بظلال لا يستهان بامتدادها نحو مناخات مجاورة، في توقيت يشهد هبوطا حادّاً في اقتصادات العالم والمنطقة بسبب كورونا، وهبوط فادح في الإنتاج والصناعات البترولية. ليس من السهل تقبل شلل اقتصاد بلدين عربيين مجاورين على التوالي للعراق، من دون توقع انعكاسات مثل هذا الشلل على بلدنا الغارق اساساً في طبقات من الازمات. قراءة المشهد بشكله الافقي لا يشعر أي اصبع يؤشر على الخريطة المحيطة بالعراق افقيا بأي نوع من الارتياح، وربما ينذر بأفق يستدعي المزيد من الدراسات واخذ الحيطة والدراية، والتوجه الحاسم نحو ترصين الموقف العراقي القادم وسط هذه الخريطة المائرة وغير الثابتة، التي تبحث عن حلول بدورها، ولكن غالبا خارج حدودها.