غريباً مرَّ، يا عيني، وما سَّلْم
آراء
2020/06/13
+A
-A
محمد اسماعيل
تتساوى الابعاد العاطفية، في لعبة المشاطرة "خذ وطالب" التي طرحها الرئيس التونسي الراحل الحبيب بو رقيبة، في العام 1965، وهي فكرة عملية مئة بالمئة، يجب استحضارها على الاصعدة كافة.. الفردية والاجتماعية والدولية؛ فالعالم ليس غابة بمعنى أن الأقوى يفترس الضعيف، لكنه مضمار سباق، يغلب فيه الأشطر الكسول! بالغا الأهداف المطلوبة قبل سواه، مستحوذا على منافعها.
"غريباً مرَّ، يا عيني، وما سَّلْم"، كما يقول الشاعر شاذل طاقة، انطلاقاً من كون المداولات السياسية والتجارية تخضع لمنطق صارم، يؤسس على جذور راسخة؛ كي يقوم بنيان علائقي رصين، لكن فيه إيحاءات قد تبطل صفقات تجارية كبرى، وتلميحات معنوية.. ربما تغير مواقف سياسية متبناة.. سرعان ما تنسف إذا "مر حزينا... وما سلم" بوصف أن حسابات الحقل يعاد ترتيبها بموجب النتائج المتحققة في البيدر. الحزم في العلاقات الدولية، مبطن بهشاشة سحرية تصل حد جمال الشعر.. في إنسانيتها او بشاعتها، لا فرق، ومن هنا لا بد من البحث عن عناصر القوة في تبادل المنفعة سياسيا، من دون سحق المجتمعات؛ فأنا أجد في عبارة الوالي الاموي على العراق الحجاج بن يوسف الثقفي: "من تكلم قتلناه ومن سكت مات كمدا" غاية في بلاغة الشعر وسحر الايصال، لمعنى يراد ترسيبه في قعر وجود المتلقي، كي يقيد حركته من داخل شعوره بالضعف، من دون قيود ظاهرة تربط حول يديه او تشل حركته.
ومن هنا تصدق الاحلام الرومانسية على التعامل الدولي؛ لكي تنتظم العلاقات وفق تبادل المنفعة القائم على خدمة مصالح بلدين او أكثر، من دون أن يغيب هاجس المشاطرة، في الوصول الى الدرجات القصوى من الجودة والكلفة الاقل والسهولة في التعاطي مع النظير الدولي، من حيث تنظيم المواقف السياسية والربح في التبادل التجاري وتدعيم الضمانات والتواصل الانساني، كهامش.. أجمل من المتن، لكنه ليس أهم منه؛ لأن المتن متن والهامش هامش، لا تزحف قيمة على أخرى، مهما تعرض العالم الى هزات فكرية واقتصادية.
فمهما اتكأ الساسة على تخت التأمل حالمين، لن تمحى حكمة بورقيبة "خذ وطالب" وتحل بدلاً منها "سوي خير وذب بالشط" إطلاقا.. مهما كان الفرد اتكاليا في مجتمع كسول، انفلتت عرى انتمائه الوطنية منفصمة؛ فالعلاقات الدولية لا تفور في قدر يغلي فوق نار لاهبة، لكنها تنضج على مجمرة ذات نار هادئة.. تستعر.. ريثما تصل الى درجة اتقاد القدر الفائر.. يغلي فوق نار لاهبة.