مدورة الطيور

ثقافة 2020/06/14
...

حميد المختار
 

هو شاعر من طراز الشعراء السريين، يظهرون فجأة ويختفون فجأة، تاركين نصوصا تمثل وهجا وحركة لا تتوقف، لم يترك كتابا شعريا على حد علمي، لكنه ترك قصائد ومسودات ومنشورات قليلة لكنها ممتلئة حياة ومحبة وابداعا، يسير خفية في حياته، ويتخذ دروبا غير مرئية، الذين لا يريدهم في حياته لن يروه وهو يمشي، فقط المقربون منه ومن أناه سوف يرونه بالتأكيد، فهو مسافر ابدا في ترحال قل نظيره، ربما يصلح ان يكون شخصية مركزية في رواية عظيمة، يكتبها روائي مجهول، لكن روايته القصيرة (مدورة الطيور) ستظل توحي للقراء عبر الزمان ان (امير الحلي) كائن غير مرئي، شفاف وحالم وصادق حد الموت مع ذاته والآخر، احتفى بي بعد خروجي من السجن وصار يحنو علي، كما لو كان اخي الكبير أو ابي في عطفه وحبه ورعايته، وصار يزورني في البيت ويأخذني في جولاته التي لا تكرر، وانا كالمسرنم ادور في فلكه حيثما دار، ثملا بهذه الصحبة النادرة، أشعر في قرارة نفسي بالتألق وروحي امست قابلة على التحليق العالي، لا يمنعها شيء من الطيران معه في اجنحته الشفافة، ترك روايته القصيرة تلك واختفى ثم ظهر سريعا في مكتبة في شارع المتنبي حياني بارتباك وغادر سريعا، ولم اعد أراه حتى هذه اللحظة، قلت في نفسي ربما فقدت قدرتي على الرؤية وماعادت روحي قابلة على الطيران كالسابق والا فما السبب الحقيقي الذي يمنعني من رؤية (امير الحلي)، لكنني بدلا من ذلك عثرت على روايته القصيرة (مدورة الطيور) في المكتبة الوطنية، صورتها بجهاز الموبايل، ثم عملت منها نسخة ورقية مجلدة، قرأتها وأعدت قراءتها وتأملتها وحلمت انني اطير من خلالها، ولكن ليس طيرانا عاليا كما كان يحدث في السابق، لأنه كان غائبا وقصته حاضرة، روحه الفياضة بالضوء واللمعان تجعلك توقن انه معك لم يغادرك بعد، الرواية في احضاني والمؤلف غائب وسارح في فضاء الله وبياض ملكوته وربما سواد ناسوته، (امير الحلي) شاعر سارد  وناثر شاعر، وروايته هذه متكونة من هذا السرد وذاك الشعر، قصة - قصيدة مكتوبة بليلة واحدة وساعات متوالية بهوامشها ومتنها، باتزانها وجنونها، بانفلاتها وقدرتها على سلوك اقصر الطرق للدخول في الأرواح والافئدة، لم يذكرها احد ونسيها النقاد والقراء والمتابعون، ولم يعد يتذكرها الا أولئك الذين احبوا (امير الحلي) واخلصوا له وساروا على خطاه في ظلمة ليله البهيم وغربة ضياعه في منافيه القريبة والبعيدة، ولم افش سرا ان قلت لكم إنني لم أنس امير الحلي ولو للحظة واحدة، وفي كل مرة حين أسير في الشارع أقول سأراه يمشي قبالتي وسيفاجئني بحضوره الملائكي العجيب، انه بشر من صنف نادر لايصادفه المرء في حياته الا مرة واحدة، ولا ادري ان كان حيا أو ميتا لكنني أشعر بأنفاسه الهادئة وحياته التي وهبها للآخرين، وابداعه الذي لاينسى والذي مازال ينتظر ان تفتح أبوابه ليدخل نور حضوره الوهاج ليضيء النفوس المتعبة، امير الحلي كن بخير ياصديقي ودعني أراك ولو لمرة اخيرة.