الرواتب ونظرية {أبو الحصين}

آراء 2020/06/14
...

حمزة مصطفى
 

أما "أبو الحصين"  فهو جنس ثالث لا هو بالواوي ولا هو بالثعلب، ولا هو منزلة بين المنزلتين بينهما، لكنه مع ذلك ترك تراثا فلسفيا من مقولة واحدة.  ملخص تلك المقولة أن أبا الحصين حين جاءه أحدهم فرحا جذلا، لعله من فصيلته، قد يكون الواوي أو الثعلب، زافا له خبر ارتفاع مياه الشط، فما كان من أبي الحصين إلا أن أطلق تلك المقولة التي ذهبت مثلا بين الناس لا الحيوانات وهي: "إن صعد لك، وإن نزل لك". 
أي أن القضية بالنسبة له "يك حساب" ، فأبو الحصين مثله مثل الواوي والثعلب لا يهمه انهيار سد الموصل  بالعراق أو  اليسو في تركيا أو النهضة في أثيوبيا نتيجة فيضان أو انحسر ماؤه، طالما أن حصته بموجب القانون الدولي غير المكتوب هي "لكة"، فأبو الحصين لا يزرع مثل راشد ولا يحصد مثل زينب، ولا نية لديه لإنتاج الكهرباء من المياه، بل يأخذ حاجته الفزيولوجية فقط لكي يعيش، وهي مقدور عليها بصرف النظر عن كمية الماء في المحيط  الأطلسي أو البحر الأبيض المتوسط أو شط العرب أو نهر الخر.
الأمثال بحمد الله تضرب ولا تقاس، وانطلاقا من هذه الحماية الفكرية، بإمكاني طرح السؤال التالي.. حين كانت أسعار النفط قبل بضع سنوات تزيد على الـ 120  دولارا للبرميل الواحد، هل كانت رواتب المتقاعدين وصغار الموظفين أعلى من معدلاتها الحالية؟ الجواب: كلا،  وحين هبطت أسعار النفط عام 2014  بحيث طارت الموازنة كلها ذلك العام، هل سلمت الحكومة الموظفين والمتقاعدين أقل من مستحقاتهم الرواتبية لا المالية؟ لأن هناك  فرقا بين الراتب وما هو مالي، فالأخير يدخل في باب الامتيازات التي لا يشمل بها إلا من تنطبق عليه المقولة الخالدة (ذو حظ عظيم)؟. 
 حين تسلم رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي السلطة عام 2014  قال تسلمت موازنة خاوية (عن الحلال والحرام قال وجدت فيها 3  مليارات دولار)، هذا الكلام كان ولا يزال على ذمته.  وحين تسلم رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي السلطة قبل أسبوع، إذا أخذنا بعين الاعتبار اكتمال كابينته، قال تسلمت موازنة خاوية، وهنا أبصم بالعشرة أن ما قاله الكاظمي صحيح، لأننا جميعا شهود على الهبوط السريع لأسعار النفط والارتفاع السريع  لجائحة كورونا، في ظل عدم وجود بدائل للنفط ولا صناديق سيادية نلجأ اليها أيام الحاجة. 
على هذه الرنة حيث الطحين ليس ناعما دائما، ننام ونصحو على "الهباطة"، ترتفع أسعار النفط تبقى الرواتب مثلما هي، لكنها تسلم نهاية الشهر من دون تأخير، بينما تزداد الامتيازات المالية من (كذا وكذا وكذا وكيت)، تهبط أسعار النفط تذهب الحكومة والبرلمان، ومجلس الأمن ومنظمة الصحة العالمية ومؤسسة بيل غيتس الخيرية، ومرصد حقوق الإنسان في سوريا ومقره لندن، وجمعية الرفق بأبي الحصين، الى الإصلاحات التي عنوانها العريض والنحيف، الطويل والقصير، هو خفض الامتيازات ورواتب الدرجات العليا فقط، والتحرش هذه المرة برواتب  المتقاعدين برغم التراجع السريع، لماذا نحن هكذا دائما؟ الجواب أسهل بكثير من جواب أبي الحصين؛ لأننا بلا زراعة ولا صناعة ولا سياحة ولا استثمار ولا صخام ولا لطام!.