الفضائيات

آراء 2020/06/16
...

محمد الموسوي
 

تطورت الحياة وتغيرت أشكالها.. وتعقدت حلقاتها في سلسلة الزمن، وصار الإنسان في كل لحظة وثانية يسجل حالة جديدة من نتائج الصراع مع الطبيعة.. مع الوجود ليثبت أنه خُلق في أحسن تقويم وهذا ما أراده الخالق المصور للإنسان بوصفه خير الكائنات خلقه من تراب وصار يسخر له كل ما فوق
 التراب.
لقد قطع الإنسان أشواطا عظيمة على طريق الاختراعات والاكتشافات فراح تارة يغوص في أعماق البحار والمحيطات ليضيء ظلام البحار ويروي لنا قصة كل ما هب ودب تحت أمواجها.. وتارة أخرى يحلق في ملكوت السماوات.. يسبر أغوارها، ويلج في أسرارها متحديا ومحطما حاجز الخوف الغريزي لكي ينتصر الضياء على الظلام.. وظل الإنسان يرتقي في سلّم الرقي والحضارة حتى انحنت له كل الكائنات في أرضها وبحرها 
وجوها.
وقد كان للنفس نصيب مما صنع واخترع الإنسان، فهناك ما ينصب في خدمة المادة وهناك ما ينصب في خدمة النفس على طريق التأثير في الاتجاهات والقناعات المتوارثة والمتراكمة للإنسان، وواحد من هذه الاختراعات التي تداعب وتحاكي العقل والوجدان باحتواء النفس هو القنوات الفضائية (Satellite) انه لا شك إنجاز عظيم ينفذ الى أعماق النفس بكل سرعة وجدارة. 
إنّ خطورة الأفكار والاتجاهات المتدنية والسيئة صارت تهدد المجتمعات والحضارات الإنسانية بشكل ملفت للنظر، وهناك أمثلة كثيرة لمجتمعات وحضارات انحدرت الى الهاوية ووصلت الى نهاية مأساوية بسبب تفشي ثقافة العنف والقتل من جهة وتفشي الفساد الاجتماعي والانحلال الخلقي من جهة أخرى.
هنا أسلّط الضوء على ما قدمته وتقدمه بعض الفضائيات لنقل وإيصال الحقيقة كما هي من دون رتوش الى المتلقي مبتعدة عن دهاليز وزوايا الإعلام المظلمة متخطية حاجز الخوف والمجاملة على حساب الحق، إن الانسانية تريد للإعلام وتناشده أن يكون نظيفا وشفافا مترفعا عن أقلام بعض الصحافيين الرخيصة والمعروضة للبيع دائما في سوق التسويق الإعلامي.. ففي عالم اليوم هناك الكثير الكثير من الأقلام الصحفية التي انسلخت عن الضمير الإنساني وراحت تباع وتشترى بأبخس الأثمان.
والأدهى من هذا كله هو أن بعض الذين يحسبون أنفسهم على الدين يجاهرون في بعض الفضائيات والقنوات المشبوهة بأفكار لا تمت للدين بصلة؛ لأن كل الأديان تلتقي في مجرى واحد تصب فيه  قيم المحبة والسلام التي تنبذ العنف والإرهاب وقتل النفس التي حرم الله.
إن هذا الذي يحدث ما هو إلا امتداد لصراع الخير مع الشر، فالتاريخ مليء بهذه الصراعات، ولكن الخير هو الذي ينتصر دائما والشر هو الذي يندحر دائما.. فطوبى لأهل الخير وطوبى للأقلام والأصوات الشريفة التي تصدح وتبرق في قنوات وفضائيات عاهدت على ايصال الحقيقة متمسكة بكل الثوابت والقيم والمثل الانسانية للمساهمة في بناء طابوقة لإعلاء صرح الحضارة الإنسانية. ولكي تكون في النهاية فضائيات رحمة.. وماذا نقول عن فضائيات ارتضت لنفسها أن تكون نقمة...! وشتان ما بين الضياء والظلام.