سبايكر .. جريمة في ذاكرة التاريخ

آراء 2020/06/16
...

د. صادق كاظم 
 
لو يكتب التاريخ يوما عن أبشع الجرائم المسجلة وأكثرها عارا  لديه لتوقف حتما عند ما حصل في سبايكر عندما أقدمت عناصر إجرامية متجرّدة من إنسانيتها وضمائرها على قتل أكثر من 1700 شخص  أعزل من السلاح وبدم بارد بعد تعذيبهم وإهانتهم ومن ثمّ اطلاق الرصاص عليهم من دون رحمة وإلقاء جثثهم في النهر .
مرتكبو هذه الجريمة هم حتما من معتنقي الفكر الداعشي الإجرامي الذي ليس في نواميسه وقواميسه سوى الإجرام والقتل والإبادة والتوحّش وهو أسلوب همجي متخلّف امتاز به أفراد هذه العصابات الإجرامية التي لا تعبأ بكل القيم والمعايير الانسانية الدينية السمحاء وتجرّدهم منها وإصرارهم على انتاج ثقافة دخيلة تقوم على الدم والرصاص والعنف والموت ومحاولة فرضه على شعوب ودول المنطقة التي تعاني من وجودها على
 أراضيها.
ارتكاب هذه الجريمة ارتبط بشكل كلي مع حادثة سقوط الموصل المؤسفة وتداعياتها على القوات المتواجدة في المناطق القريبة منها التي شهدت وللأسف ظروفا غير طبيعية لم تسمح للقيادات ولا الجنود المقاتلين بإعادة ترتيب الأوضاع في تلك المناطق والتأسيس لخطوط صد والقيام بعمليات دفاعية لتحصين تلك المناطق من هجمات مماثلة للتي  حصلت في الموصل، بل كانت هذه الحادثة الإجرامية البشعة مقدمة لسلوك إجرامي دموي ظل تنظيم داعش الإجرامي حريصا على تطبيقه في جميع المناطق التي سيطر عليها لاحقا وارتكب فيها اكثر من 50 الف جريمة قتل واعدام جماعي ونهب وحرق وتهجير تضاف الى قائمة مطولة من الضحايا الذين سقطوا نتيجة لاعمال القتل الوحشية والاعدامات، فضلا عن ما قامت به من جرائم نهب للأموال والممتلكات وتدمير المعالم الآثارية التاريخية ونهبها وسرقتها والمتاجرة بها لاحقا.
بالمقابل فإن هناك مواقف انسانية ووطنية عظيمة تذكر لعدد من المواطنين ممن ساعدوا الجنود الذين نجوا بأرواحهم من موقع المجزرة والتجؤوا الى أماكن قريبة منها، إذ سارعوا ومنهم السيدة المناضلة (أم قصي) الى إيواء الجنود في بيوتهم وحمايتهم، بل وتحمّلوا تعرّض مناطقهم الى عمليات القصف العنيف رافضين تسليم هؤلاء الجنود الى العصابات الاجرامية ولحين تحرير تلك المناطق بشكل نهائي وطرد فلولها في ملاحم قتالية وبطولية أسهم هؤلاء الجنود ايضا مع الأهالي في الدفاع عن هذه المناطق والمشاركة بأعمال تحريرها لاحقا.
ما حدث في سبايكر في تلك الأيام الحزيرانيّة اللاهبة والعدد الكبير من الشهداء الذين سقطوا فيها انما كانت ثمنا لموقف العراق الأبي بكل مكوناته في التصدي والرفض لهذا المخطط الاجرامي الكبير للعصابات الارهابية التي كانت تروم السيطرة على العراق من أجل نشر فكرها الظلامي الهمجي، إذ كان العراق الحلقة الأهم والأصعب في ذلك المخطط الاجرامي، وكان سيتيح لها التحرك في مختلف الاتجاهات لتهديد ايران والعربية السعودية والكويت والاردن مع امكانية توسيع وجودها المسبق في سوريا ليشمل سوريا بكل اجزائها، وكان اندحار هذه العصابات في العراق بداية للسقوط النهائي لمشروع الاجرام والتكفير الذي كان يحمله قادة هذا الفكر الذين هلكوا وقتلوا نتيجة لبطولات العراق وقواته المسلحة وحشده الشعبي البطل التي قضت على اكثر من 75 الف ارهابي على أرض العراق في معارك تحرير ملحمية ستبقى ناصعة في ذاكرة البلاد وسجل بطولات شعبها الحافل بالمآثر الخالدة.