الرصيد القرآني للشاعر

ثقافة 2020/06/17
...

 
حسين الصدر
 
 
- 1 -
لا نذيع سرّاً إذا قلنا:
إنّ القرآن الكريم هو القمّة العليا للفصاحة والبلاغة وهو يعلو على كلّ ألوان البيان.
جاء في التاريخ:
أنّ الأصمعي سمع جارية تتكلم فقال لها:
ما أفصَحَكِ!، فقالت:
أَو يُعدّ هذا فصاحة بعد قوله تعالى:
(وأوحينا الى أمّ موسى أنْ أَرضعيه فاذا خفتِ عليه فألقيه في اليمّ ولا تخافي ولا تحزني إنّا رادّوهُ إليك وجاعلوه من المرسلين)
7 / القصص
فقد جمع بين أمريْن
ونَهْييْنَ
وخَبْرين
وبشارتين في آية واحدة
والمهم هنا التأكيد على أنَّ معايشة القرآن، والتفكر في معانيه وآياته يموّن المُقبلين عليه برصيد بلاغيّ متميّز ينعكس على مجمل ما ينتجون من كتابة او شعر، هذا فضلاً عن الرصيد الروحي والاخلاقي واللغوي والمعرفي والثقافي والإلمام بتاريخ الأمم والشعوب والديانات 
كلها ...
 
- 2 -
ونحن في هذه المقالة الوجيزة نستعرض بعض الشواهد لتأثر الشعراء بثقافتهم القرآنية، والتي انعكست في أشعارهم، في منحى واضح للتأكيد على أهمية المعايشة القرآنية لا بلحاظ اكتساب الحسنات والمثوبات فحسب بل بلحاظ الافادة الحقيقة في كل الجوانب الأخرى.
 
- 3 -
كان ابن الحصيري واحداً ممن يحضر مجلس الصاحب بن عبّاد، وقد أخذته في ليلة من الليالي سِنةٌ من النوم اثناء المجلس المذكور، وفي الاثناء خرجت منه ريح لها صوت، وهذا ما سبّب له حرجاً شديدً فانقطع عن الحضور في مجلس الصاحب خجلاً فما كان من الصاحب بن عباد إلّا أن 
قال:
أبلغوه عني:
يا ابن الحصيريّ لا تذهبْ على خَجَلٍ
لحادثٍ كانَ مثلَ النايَ والعُودِ
كأنّها الريح لا تسطيع تحبسُها
إذ أنت لستَ سليمانَ بنَ داودِ
وقد امتزجت هنا الثقافة القرآنية للصاحب بالظرف العالي وكان المزيج متميزاً ...
 
- 4 -
وما دمنا ذكرنا الصاحب بن عباد (رض) فلنذكر الوليمة التي دعا اليها الصاحب بعض أصحابه وكانوا جميعا من ذوي الشأن والمال والنفوذ دون غيرهم، فقال الشاعر محمد بن عبد الكريم الانباري فيه:
انْ آثر الصاحبُ ذا ثروةٍ
وعافَ ذا فقرٍ وإفلاسِ
لا غزو فاللهُ الى بَيْتهِ
دعا المياسير من الناسِ
ان الشاعر هنا قاس الدعوة الخاصة للأثرياء من الأصحاب بالحج الذي لم يفرضه الله سبحانه إلّا على المستطيعين، قال تعالى
(ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا)
ولاشك أنْ الاستطاعة الماليّة للحج ليست متاحة لغير ذوي المال ..!!
ولكننا نعد المقارنة بين التشريع الإلهي بفرض الحج على المستطيعين ودعوة الصاحب للأثرياء من أصحاب فقط، قد تَدْخُل في باب الملق الاجتماعي الذي لا ننظر اليه بعين 
الارتياح ..!!
 
- 5 -
وهجا أحد الشعراء (وهو الحسين بن احمد ت 533 هـ) أحد الحكّام
(وهو نصير الدين جقر) فقال في جملة ما قال:
لو رماهُ الله في سَقَرٍ
لاشتكت من ظُلمِه سَقَرٌ
وسقر – كما هو معلوم – هي النار الحامية التي يصلاها إلّا الجاحدون والمتمردون على الله.
أما قرأت قوله تعالى مخاطباً تاركي الصلاة:
(ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين)ظ.
 
- 6 - 
وقصيدة أبي العتاهية اسماعيل بن القاسم التي أنشدها المهدي ومنها قوله:
أَتَتْهُ الخلافة مُنْقادَةً
إليهِ تجررُ أذْيالها
 
فلم تكُ تصلحُ إلّا لَهُ
ولم يَكُ يصلحُ إلّا لها
ولو رامها أحدٌ غيره
لزَلْزلت الأرضُ زلزالها
انّ التأثر بسورة الزلزلة، في هذه القصيدة واضح البصمات، كما أنَّ الغرض من القصيدة لم يكن إلّا اصطياد عظيم الصلات والهبات
وهذا قد يكون من مصاديق الاتجار بالمقدسات ..!!