الذاكرة.. ملكة ذهنية خازنة للمدركات والأحداث التي يعايشها الفرد وتسترجعها عند الضرورة.. إنها قدرة ذاتية على مستوى التذكر من حيث وجودها وتشكيل خبراتها واسترجاعاتها بحكم تواجد (أعضاء بيولوجية على مستوى الدماغ هي المسؤولة عن حفظ الذكريات واسترجاعها) على حد تعبير عالم النفس الفرنسي (ريبو).. أما برغسون فيرى أن الذاكرة مرتبطة بالشعور كعملية نفسية وروحية..
هذا يعني ان الذاكرة نشاط يقوم به الفكر ويمارسه الفرد كما يقول الفيلسوف والنفساني الفرنسي دوكلاروا.. من كل هذا نستنتج ان الذاكرة وظيفة ذهنية ونفسية تسمح بحفظ واسترجاع الصور والتجارب الماضية.. وكل هذا يجرنا للوقوف على المنجز المعرفي التاريخي (شواطئ الذاكرة) الذي أفرزته ذاكرة الصحفي عكَاب سالم الطاهر (العقل الجوال والذاكرة الوقادة والنفس الطيبة والقلم الجاد والأسلوب الأخّاذ..) كما يصفه الاستاذ الدكتور ابراهيم خليل العلاف في مقدمته التي جاء فيها (اقرأ في كتاب شواطئ الذاكرة) أحس وكأنني أعيش أحداث العراق لحظة بلحظة ودقيقة بدقيقة، وأذهب وأنا أقرأ فقرات الكتاب وفصوله الى أن التاريخ (كله تاريخ معاصر) كما يقول المؤرخ الايطالي بندينو كروجه..)..
وأسهمت مكتبة الدار العربية للعلوم في نشره وانتشاره / 2019.. كونه يشكل ذاكرة تاريخية تشعبت خيوطها ما بين الصحافة ومفارقاتها والسياسة ورجالاتها عبر أقسامه الثلاثة.. ففي القسم الأول يركز على سيرته الصحفية والمهنية وما يتخللها من مفارقات كتهمته بالطائفية نتيجة كتاب (يوميات الثورة الإيرانية) والكشف عن بعض الشخصيات المؤثرة مجتمعيا منهم محمد فاضل الجمالي الذي يوصف بأنه (مفكر ومصلح وملكي الهوى) فهو مؤسس المدرسة الدبلوماسية في العراق وتصميمه نظام التربية والتعليم الحديث على نظرية النسبة السكانية، فتوليه وزارة الخارجية ورئاسة مجلس النواب ورئاسة الوزراء..
ثم يعرج على لقاء صدام حسين وشاه إيران وجها لوجه وتوقيع معاهدة الجزائر العام 1975 بوساطة جزائرية تمثلت برئيسها بومدين.. ومناسبة انعقاد مؤتمر قمة الدول المصدرة للنفط (الاوبك).. فالوقوف على اقامة الجبهة الوطنية والقومية التقدمية أسبابها ونتائجها.. وقرار التأميم الذي مهد له عبدالكريم قاسم بتأسيس شركة النفط الوطنية العراقية.. ومن ثمّ يستعرض بعض الصحف واثرها السياسي والمجتمعي كجريدة البلاد لصاحبها روفائيل بطرس بطي، وجريدة العهد لصاحبها الصحفي زكي احمد، فجريدة صوت الجماهير، ثم يعرج على صحف المحافظات كشعلة الاهالي في كربلاء، وصدى الاهالي في الموصل، ونداء الاهالي في البصرة، بعد ان سبقتهم جريدة الاهالي الناطقة باسم الحزب الوطني الديمقراطي في بغداد..
فالاشارة الى أول سفير أردني في العراق (وصفي التل).. ثم يقف على تولي صدام حسين مكتب الثقافة والاعلام كونه يرسم السياسات الاعلامية ويراقب تنفيذها.. ويوسف الطائي ورئاسة تحرير جريدة الثورة ويتحدث الكاتب عن علاقته بمجلة ألف باء ورئاسته لتحريرها..
فعصام الملا حويش التربوي والمكتبي والدبلوماسي.. فالحديث عن إذاعة صوت العرب ومكتب (واع) في الخرطوم والانقلاب السوداني، فالعروج على بعض الصحفيين منهم ابو سعيد الصحفي الشيوعي البصري وابو كاطع ومصطفى طيبة.. بعدها يتذكر الكاتب بعض الوجوه التربوية منهم خليل مصطفى والبهادلي والأعظمي وجليل مصطفى وجليل السنيد، أما القسم الثاني فقد انحصر في شهادات البعض عبر الهواء الطلق منها شهادة محمد حسين وشوقي كريم ومحمد المحاويلي والدكتور غسان عزيز وباسل الخطيب ووليد الصراف ومحمد زكي. أما القسم الثالث فقد انحصر في الاهتمامات الصحفية وما كتبه البعض منهم عبدالمنعم العيساوي ورجاء حميد رشيد والدكتور هادي حسن عليوي ومحمد نجم البابلي الذي شدا شدو الضفتين (من محمد نجم البابلي الى عكاب سالم السومري ومن ضفة شط الحلة الى ضفة شط الكرمة). وبذلك قدم المنتج عكاب سالم تجربة مكتنزة بفصولها المذكراتية سياسيا وصحفيا وثقافيا واقتصاديا ومجتمعيا، فكانت وثيقة تاريخية شاهدة على عصرها..