مولويون وصوفيون وامبراطور ودراويش

ثقافة 2020/06/20
...

 
يوسف محسن 
 
 
تتميز الطريقة المولوية بـ (الرقص الدائري) حيث يدور الراقصون حول مركز الدائرة ، يندمجون في مشاعر روحية سامية ترقى بهم إلى مرتبة الصفاء الروحي، فيتخلصون من المشاعر السلبية  ويستغرقون في وجد كامل يبعدهم عن العالم المادي ويأخذهم إلى الوجود الإلهي، إضافة إلى النغم الموسيقي عن طريق الناي الذي يعد وسيلة للجذب الإلهي، وهو أكثر الآلات الموسيقية ارتباطاً بعازفه، ويشبه أنينه بأنين الإنسان للحنين إلى الرجوع إلى أصله الازلي  في عالم السماء . هكذا تعد  المولوية الركن الثاني في الحياة الروحية في الأناضول، بعد التصوف الشعبي في نسخته البكتاشية التي وصفت إبان القرن السابع الهجري بأنها تمحورت حول (مولانا جلال الدين الرومي).
 
جلال الدين الرومي
تعد إجابة المولوية عن سؤال الآخر الديني والجندري، والحق والضلال، وحتى الدين والسياسة وصولاً إلى الإرهاب، فهم المعاني الإنسانية والفن والأدب احد الاطروحات المهمة في الازمنة الحديثة. الكتاب يستعرض جوانب هذه الحركة الصوفية وحياة مؤسسها، بدءاً من تحليل السياق التاريخي الذي ظهرت فيه (العصر السلجوقي وأزمة المغول، وظروف نشوء حواضر عرفانية حاضنة لثقافة إسلامية، تحفز هجرات رجال العلم وصنّاع العرفان).
 
السياقات التاريخية
استعرض الباحث المصري أحمد محمود إبراهيم الخطوط العريضة لتاريخ بلاد الروم أو الأناضول، وهو الإقليم الذي مارس فيه الرومي تأثيرا طاغيا، وتأسست فيه طريقته، وسط تيارات صوفية متلاطمة. مع  ترجمة موجزة لمولانا جلال الدين. حيث تم وضع الطريقة المولوية في سياقها التاريخي الذي أنتجها، وتسلِط الضوء أولا على الملامح العامة لتاريخ المشرق الإسلامي في القرن السابع الهجري/ الثالث عشر الميلادي، الباحث  الأكاديمي فكرت قارابينار وضح عن  مكتسبات الصوفيين من الحديث واستعماله في كتبهم، باستعمالهم أحاديث الزهد والأخلاق والعرفان. 
 
الدراويش المولوية
دراسة الباحث والأكاديمي الإيطالي ألبرتو فابيو أمبروزيو (الدراويش المولوية والعثمانيون.. دروس وملاذات تاريخية ) تسبر أغوار تاريخ الطريقة المولوية، على مدى ما يقارب سبعة قرون، جعلت من الدراويش الأخوية العثمانية الأكثر تمثيلاً لإمبراطورية سلاطين إسطنبول، (قد كانت شبيهة بالسلطة الحاكمة في تراتبيتها وتنظيمها ويرى أن بعض التأويلات التاريخية ذهبت إلى أن المولويين كانوا من مبعوثي السلطة العثمانية خارج أراضي الأناضول) إن المولوية كانت على اتصال وثيق بالإمبراطورية والسلطان. يقول الباحث: إن التكية القديمة قد أصبحت متحفا تباع التذاكر على بابه، ثم مجمعاً شاسعاً للرقص (سمعخانة).
 
المرأة والصوفية
دراسة الأكاديمي التونسي توفيق بن عامر تبين  منزلة الآخر الجندري في منظومة الفكر المولوي؛ ومنطلقها في تفصيل ذلك في مكونات ما يعرف بالحكمة المولوية، لما يتميز به الآخر الجندري من ارتباط وثيق بتلك الحكمة، وبالرؤية الصوفية المولوية للوجود، ولما وراء الوجود في صلتهما بالكائن البشري، ولما يتفرد به ذلك التصور أيضاً من علاقة وشيجة بمفهوم الجمال، وحضوره الدائم في هذا الكون باعتباره انعكاساً أو تجلياً للجمال المطلق.فقد أولى كبار الصوفية المرأة اهتماماً خاصاً، وكان لها تأثير عميق في نفوسهم، 
 
الآخر الديني
تناولت الباحثة التونسية سارة الجويني موقف جلال الدين الرومي من الاخر الديني الذي يقول فيه (ان عدم احترام الاختلافات يعني عدم احترام النظام المقدس الذي أرساه الله) حيث كان ينظر  إلى الحقيقة الدينية كواحدة في جوهرها، وغير مكتثر بصفاتها وأسمائها، وخارج  التجاذب والتناحر وادعاء الأفضليّة، فمن القضايا المهمّة المطروحة التّي يغذيها تصوّف جلال الدين الرومي وانفتاحه على الآخر الديني، مسألة العالميّة من حيث إنّها تتداول توليفة كيانية تجمع العالم تحت رعاية المبدع الكبير  ووفق قواعد ثابتة تترأسها الأخلاق،
 
 
الرقص المقدس
الباحث  محمد بن الطيب يبين أن الصوفية كانوا يعتقدون أن الطرق إلى الله على عدد أنفاس الخلائق ولذا فإن مولانا جلال الدين الرومي اتخذ طريقا إلى الله غير مألوف سلوكه عند الصوفية، وهو طريق الموسيقى والرقص. فقد تجاوز الرقص عند الرومي الوظيفة التعبيرية الإيحائية ليستبطن رؤية للعالم تخرج عن السائد، ذات طابع وجداني ومنزع روحاني وبعد أنطولوجي، ليس غريباً أن ينحو الرومي هذا المنحى، ذلك أنّ من أهمّ مواطن الاهتمام التي كان عليها مدار شِعره الإنسان وحنينه الدائم إلى أصله الإلهي. 
 
نوقظ فينا كل الأطفال النائمين
 اما الباحثة  كريستين كوسايفي فتطرح سؤالا ..  ما الذي يمكن أن يوجد من قواسم مشتركة بين صوفي شرقي من القرن الثالث عشر، وغربي عقلاني من القرن السابع عشر؟ من خلال المقارنة بين الرومي ولايبنتز، حاولت الباحثة إظهار وجود تماثلات خفية وسرية بين كاتبين بما يجعلنا نُلقي أضواء جديدة على آثارهما. فجلال الدين الرومي، الصوفي الذي يحترق رغبة في المحبوب، وتأكله نار العشق في انتشاء تطهّري يفسخ في ذاته كلّ أثر للوعي، وعلى العكس من ذلك، فإنّ لايبنتز، الفيلسوف العقلاني الذي يبدو أنّه يُخضع كلّ شيء إلى صرامة القوانين الرياضيّة الباردة، يكشف عن حساسيّة تجاه نور الله؛ وقد عرف كيف يصف باندهاش حالة الانتشاء التي تتلبّس الكاهن تيودور و يدعونا إلى أن (نوقظ فينا كل الأطفال النائمين).
 
المولوية العراقية
الباحثة والأكاديمية نظلة أحمد تقول: إنه ربما لم يعد للمولوية وجود مستقل، بوصفها طريقة صوفية سوى الذكر الإيقاعي، والرقص الصوفي، لتتحول من طريقة صوفية تعبدية إلى فلكلور ديني مناسبي؛ إذ تم تناسي حضورها في المعرفة الصوفية، وفي منظومة الفكر الصوفي النسقية في الإسلام، وتقوم  دعوتها إلى التسامح بين الأديان والطوائف، ومهما كان معتقدهم وعرقهم، وهذه دعوة إلى وحدة الأديان) وترى أن المولوية في العراق ما زالت تشكل قيمة في البحث 
الصوفي.