محمد شريف أبو ميسم
كيف للعقل أن يصدّق ما يقال عن مشروع قانون أميركي يستغرق إعداده وتشريعه والتوقيع عليه ثم دخوله حيز التطبيق خمس سنوات، على أنه يستهدف حماية المدنيين في سوريا ووضع حد للحرب فيها؟ بعد أن أكلت نيران الحرب الآلاف من المدنيين، وتسببت بهجرة وتهجير الملايين، وتدمير المدن وقتل ملامح الحياة. والمثير للدهشة والسخرية، أن يكرر البعض ما يقال: ان قانون قيصر - الذي قدمت مسودته للكونغرس في العام 2016 - يحمل أبعادا انسانية لحماية المدنيين والمعتقلين وإجبار النظام على إيقاف الحرب، فيما يتم تجاهل القصدية في تعطيل تشريعه حتى العام 2019، ومن ثم إيقاف تنفيذه لنحو سنة ونصف السنة، فيما يكاد شبح الموت والخراب أن ينهي وظيفته بجدارة في هذا البعد الزمني بأغلب المدن السورية.
فهل ثمة شك أن ما حصل في هذه السنوات الخمس كان هدفه تكريس تداعيات الحرب على مدار تسع سنوات؟ وأن هدف إدامة الحرب وتمويل آلتها وتوسيع رقعة الخراب لأطول وقت ممكن في بلد ظل خارج السرب - وهو يرفع شعار تحرير الأرض المحتلة - كان بهدف تدمير إمكانيات هذا البلد وإعادته الى الخلف بعيدا عن المواجهة؟
ولسنا هنا بصدد مناقشة شكل النظام السياسي وطبيعة الحكم في سوريا، ولكننا بصدد البحث عن سر تطبيق هذا القانون في هذا الوقت تحديدا على شعب عرف بثقافة العداء لاسرائيل، بمعنى أننا نحاول الخوض في الغايات التي صنعت ستراتيجية تسعى للحد من توريث الصراع مع اسرائيل من خلال تدجين ثقافة العداء عبر تكريس ويلات الحرب وتدمير مقومات كيان الدولة باتجاه إضعافها وإخراجها من جغرافية المواجهة مع هذا الكيان الى غير رجعة، ومن ثمّ صناعة إنسان جديد عبر بوابة تطل على مأساة جيل يولد من رحم الكارثة. فالشعب السوري نشأ على ثقافة العداء و كان لا بدّ من صناعة جيل من صميم الحرب الأهلية وويلاتها، جيل ينشغل بالكراهية لأبناء جلدته ويكفر بشعارات العداء نكاية بما ترعرع فيه من ظلم وخراب وحرمان في زمن الحرب الأهلية والتأثيرات السمعية والبصرية لأدوات العولمة الثقافية، ليتطلع بألم لمأساته ولما يتمتع به الآخرون، ويلقي باللائمة على أهله المتشدقين بالشعارات وهو يعيش بين أطلال بلد مدمر، ليكون تطبيق قانون قيصر في هذا الوقت مكملا لهذه الستراتيجية. عبر حصار خانق سيدفع ثمنه المدنيون قبل النظام السياسي. ومن ثم إدخال الجيل الذي نشأ في كنف الحرب مرحلة جديدة من التدجين قد تستغرق سنوات طوالا، سيلاقي فيها ما لاقته أجيال الشعب العراقي إبان حرب الثماني سنوات وحرب الخليج الثانية والحصار الاقتصادي، في ظل قانون يعاقب الأفراد والشركات والدول التي تكون لهما تعاملات مالية وتجارية واستثمارية مع الدولة السورية، ومن ثم قطع الطريق على أي محاولة للبحث عن فرصة استثمارية قد تسهم في تدوير عجلة الحياة وإعادة الإعمار أو حتى مد يد العون لتقديم المساعدات في هذه الدولة المحدودة الموارد الريعية والتي أعيدت الى نحو مئة عام الى الوراء. وهذا ما تفسره نصوص هذا القانون التي طالت حتى من يقدم دعما تقنيا للدولة السورية في عمليات اعادة الإعمار، وعزل البنك المركزي السوري عن جميع البنوك المركزية العالمية ومعاقبة أية مؤسسة مالية تتعامل معه، حتى في القطاعات الصحية والتعليمية وعلى العاقل أن يتخيل كيف يستهدف هذا القانون حماية
المدنيين!