أسرار ورموز

ثقافة 2020/06/21
...

حميد المختار
(هناك أسرار لايفهمها حقا سوى الميت، أسرار لايمكنك مهما حاولت أن تجد لها تفسيرا، هذه هي الأسرار التي يجب على الميت أن يحملها معه إلى قبره، وكأنها مقتنيات ثمينة)، ذكرني هذا القول المستل من رواية هاروكي موراكامي 
(1 Q84) بالسر الذي أفشاه الشاعر والروائي الكردي السوري سليم بركات وهو يكتب عن أستاذه وأبيه الروحي محمود درويش، حين أعلن عن وجود ابنة غير شرعية لدرويش من امرأة متزوجة، في البداية أعلن أنني من المعجبين جداً ببركات شاعرا وساردا منذ منتصف ثمانينات القرن المنصرم حين التقيت به في بغداد أيام مهرجان المربد وكان معروفا عنه في تلك الفترة كشاعر حداثي فضلا عن تفرده في كتابة قصيدة نثر صعبة لا يجيدها إلا هو وقلة من الشعراء، ثم أتذكر أنه نشر لي نصوصا في مجلة الكرمل التي كان يديرها بصفة مطلقة وبضوء أخضر من رئيس تحريرها محمود درويش، كانت العلاقة بين الاثنين درويش وبركات علاقة متينة محملة بالأسرار والحب والعلاقات الأسرية، لدرجة أن درويش يكتب قصيدة مهمة عن سليم بركات (ليس للكردي إلا الريح): يتذكر الكردي حين أزوره غده، فيبعده بمكنسة الغبار، إليك عني فالجبال هي 
الجبال.....
لكن مكنسة الغبار للأسف لم تستطع ان تزيل ماعلق في الذاكرة من أسرار لرموز شعرية وسردية شغلت العالم والناس والقراء والنقاد فترة طويلة، فمحمود درويش رقم صعب في ذاكرة الشعر العربي حتى وصل إلى رمز من رموز القداسة الشعرية في الذاكرة الجمعية، وإذا كان هذا السر ألح كثيرا محاولا الخروج من صندوق أسرار سليم بركات أما كان الأحرى به أن يفشيه في تضاعيف إحدى رواياته ويتخلص منه إلى الأبد، خصوصا وأن روايات بركات فيها مغاليق ولها مفاتيح، ولايمكن لأحد أن يفتحها إلا الراسخون في السرد، لذلك أقول إن سليم بركات كبا كفارس أراد العبور إلى الضفة الثانية من الحلم إلى الذاكرة ومن الذاكرة إلى البحر، وهناك برز له هذا السر المعذب والذي مازال يعيش في الواقع ويبدو أن شهوده مازالوا أحياء يرزقون، ومحمود درويش رغم موته البعيد مازال حيا فينا يتنفس الشعر والمحبة والخلود وله علاقات واسعة في شبكة طويلة وعريضة لا يحصيها أحد، بل وصل الأمر بالكثير من النساء أن يفخرن بأن لهن علاقات حميمة مع درويش وهذا ليس سرا أبدا، فقد لمسناه في معظم العواصم العربية، وعليه فلا أعتقد أن تكون لإفشاء هذا السر مشاكل أسرية، إنما البنت المعلن عنها في السر ربما ستحزن كثيرا على ابيها الذي كتم أبوته وغادر العالم من غير أن يعبر لها عن حبه ويغدق 
عليها بحنانه.
وفي الختام اقول لصديقي سليم بركات عد أدراجك إلى مشروعك الروائي فلا هذا السر ولا غيره سينفع في ديمومة مشروع سردي مهم كالذي تكتبه اليوم، وها أنا أعيد ما قاله شكسبير على لسان هنري الرابع: إذا متنا قبل اليوم فليس علينا أن نموت غدا، لذلك دعونا نتطلع لما هو أفضل في كل واحد منا.