العرب وأزمة المياه

آراء 2020/06/22
...

حسين علي الحمداني
 

أزمة سد النهضة في أثيوبيا هي حديث الشارع المصري هذه الأيام كما كان سد أليسو حديث الشارع العراقي قبل أقل من سنتين.
وقلق المصريين حكومة وشعباً نابعٌ من أنَّ عملية ملء سد النهضة سيؤثر بشكل كبير جداً في منسوب مياه نهر النيل الذي تعتمد عليه مصر بشكل رئيس ويشكل مصدراً مهماً للحياة المصرية كما كان أحد أركان بناء الحضارة المصرية منذ آلاف السنين.
الأزمة أخذت أبعاداً كبيرة وسط غياب الحلول الواقعيَّة التي ترضي مصر والسودان في الوقت ذاته، ووسط إصرار أديس أبابا على تنفيذ ما تريد القيام به والاستفادة القصوى من سد النهضة في عملية التنمية داخل بلدها، نجد مصر بدرجة كبيرة تشعر أنها في حالة حرب على الأقل إعلامياً هذه الفترة ويزداد هذا الشعور يوماً بعد آخر، لا سيما أنَّ أديس أبابا لم تقدم لمصر سوى وعودٍ شفهيَّة لا يمكن الوثوق بها من قبل القاهرة التي تجد نفسها أمام خيارات محدودة جداً لمواجهة هذه الأزمة التي هي ليست جديدة، فالفكرة ولدت في العام 1965، إذ تم تحديد الموقع بواسطة مكتب الولايات المتحدة للاستصلاح وهو إحدى إدارات وزارة الخارجية الأميركية وهذا القرار لم تتم مناقشته مع مصر.
ظل هذا الملف من دون تنفيذ حتى 31 آذار 2011، تم منح عقد قيمته 4.8 مليار دولار من دون تقديم عطاءات تنافسيَّة للشركة الإيطاليَّة من أجل تنفيذ المشروع وهذا التاريخ يدلل على أنَّ أثيوبيا اختارت التوقيت المناسب جداً لها والسيئ لمصر، خصوصاً بعد سقوط نظام حسني مبارك في بداية شباط 2011.
وبالنتيجة يمكننا القول إنَّ أثيوبيا لها نوايا قديمة جداً في بناء السد لكنه تأجل كثيراً ليس بسبب عدم الحاجة له أو أمور ماليَّة أخرى، لكنْ بسبب وضع مصر القوية أفريقياً وعالمياً في عهد عبد الناصر ومن ثم السادات ومحمد حسني مبارك، وهذا ما يجعلنا نقول إنها اختارت التوقيت المناسب وسط غياب السلطة القوية وسقوط نظام مبارك وبروز المشكلات الداخلية والمرور بفترة انتقالية ساعدت أثيوبيا على إنهاء بناء السد عام 2019 وهي الآن في موقف تبدو فيه أقوى من شركائها في مياه النيل.
مشكلة الدول العربيَّة إنَّ منابع الأنهر التي تعتمد عليها في مياه الشرب والزراعة تقع خارج حدودها، وهناك من يتحكم بالحصص المائيَّة، سواء وفق اتفاقيات دوليَّة كما في الحالة العراقية لنهري دجلة والفرات أو الحالة المصرية لنهر النيل، وأحياناً كثيرة نجد أنَّ دول المنبع ترجح مصالحها على حساب دول المصب كما نجده الآن في حالة سد النهضة الأثيوبي وأضراره على مصر والسودان أو سد أليسو التركي وأضراره على العراق.
وفي الجانب الثاني نجد ثمة هدراً كبيراً في المياه داخل الوطن العربي وعدم استثمارها بالشكل الصحيح من أجل الحفاظ على خزين مائي يؤمن الحاجة أثناء الجفاف أو حصول أزمات مع دول المنبع.