سلفةٌ من حمورابي

ثقافة 2020/06/22
...

أسعد الجبوري
 

دون كيشوت: أظنُ أن الشمسَ لن تشرقَ بعد اليوم على هذي الطواحين يا سانشو.
سانشو: ولمَ تظنُ ذلك يا سيدي الدون. هل عَلِمتَ أن تاجراً اشترى الشمس لحساب شركاته الخاصة في السوق السوداء؟
دون كيشوت: يبدو أن الأمور أصبحت أكثر من سوريالية في بلدان العرب بعد تدهور أحوال الناس نحو الهاوية.
سانشو: الهاوية الهاوية الهاوية. أنت تداوم كثيراً على ذكر تلك المرأة التي تُدَهورُ أحوال الناس وكأنها المومس العمياء التي تحدث عنها السيّاب في قديم الزمان؟!! 
دون كيشوت: إنها هاويةٌ اسمُها الفسادُ. تعيش تحت الطاولة. ويمارسُ فيها الفاسقون جميع أنواع (التمومس) وطغيانُ التخريب المُتَعَمد من دون رادع أخلاقي ووطني.
سانشو: ولكن قلْ لي يا سيدي الدون، هل سيكون الفسادُ مفيداً فيما لو أصبح فوق الطاولة. أقصدُ الفسادَ الجنسي؟!
دون كيشوت: اللعنةُ على مخك يا سانشو. أنا أتحدث عن جوع الناس وكوارث الفاقة، فيما تفكرُ أنت بالجنس فوق الطاولة !!
سانشو: وماذا تريدني أن أفعل. أوليس الجنسُ بنكُ خصوبة الحياة يا سيدي الدون؟
دون كيشوت: أجل. فهو مثل مصرف الرافدين، ينتظرُ أن تَحْمِلَ له الرياحُ الأمطارَ لتنزل بالدنانير حتى امتلاء الخزائن والجيوب والحقائب. 
سانشو: ولكن على حدّ علمي بأن المصرف ممتلئ ومملوء حدّ التكرّش بالأموال يا سدي الدون.
دون كيشوت: أجل. فالمصرفُ مملوءٌ بالأساطير يا سانشو.
سانشو: ما رأيك أن نذهب إلى هناك ونقترض سلفةً من حمورابي؟
دون كيشوت: لا تقلْ ذلك الآن يا سانشو، فقد يعترض سبيلنا أسدُ بابل ولا يبقي من عظام أجسامنا حتى عَظْمَة العُصْعُص. 
سانشو: سأخرسُ إذا كان في الأمر أسدٌ وافتراس. ولكنني سمعتُ أن لجدي بستاناً في العراق، وكان يطعمُ من تموره أهلَ القرى بالمجان.  
دون كيشوت: وإذاً.. فما عليكَ إلا مهمة نبش قبر جدكَ في سجلات التاريخ، وإخراج جثته لسماعِ شهادته عن ضخامة ثروات بلاد ما قبل النفط.
سانشو: ولكننا في العشيرة، لا نعرف مكاناً لجثة جدي، ولا في أية مقبرةٍ يأخذُ فيها القيلولة.
دون كيشوت: وأين يكون يا ترى؟!!
سانشو: قيل لنا أن مسيو كولبيكيان قد أخذ جثة جدي معه إلى لندن، من أجل دفنها تحت التراب البريطاني.
دون كيشوت: وماذا يفعل بها هناك؟
سانشو: لقد اعتبر السيد الأرمني التركي الإنكليزي متعدد الجنسيات، ان دفن جثة جدي هناك، سيجلب الحظ لتاج الملكة، بعد أن يتفسخ لحمهُ وعظامهُ، وتتحول إلى طاقة بترولية تستطيع اللعب بالبورصة والمغامرة بالأسهم.
دون كيشوت: أجل. وربما سيمنحهُ مستر 5 % فرصةً لاستعمال سهم كيوبيد لصيد قلوب عذارى أميركا في وديان الرافدين. 
سانشو: لا تسخر من قصة جدّي وتمر النخيل الاحتياطي الستراتيجي الذي كان يغطي بلاد العراق قبل النفط.
دون كيشوت: ولمَ اعتبرت كلامي تشنيعاً وسخرية بتاريخ سلالتك يا سانشو؟!
سانشو: أدركتُ ذلك من عطسةِ حصانك.
دون كيشوت: ومتى أصبح العطاسُ دليل شؤمٍ وإدانةٍ أيها الأحمق؟
سانشو: منذ زمن الكورونا. فهذا الفيروس يأتي مُكملاً للفيروسات التي نتمتع بها بالباطن وبالظاهر.
دون كيشوت: كأنك أصبحت خبيراً بحروب البيولوجيا يا سانشو؟
سانشو: وقد اخترعُ لقاحاً يقي حماري من الهلاك، لقاحاً أكثر فاعلية من سور الصين.
دون كيشوت: لا الشيوعية أنتجت خلاصاً من الوباء العسكري. ولا الرأسمالية حققت معجزةً باختراع دواء والسيطرة على أسواق 
العالم!