المناعة الجماعيَّة

آراء 2020/06/23
...

ناصر عمران
 

لا يمكن مغادرة الراهن والانزواء في صومعة الوهم او القفز على متبنياته ونسج عالم آخر بعيداً عن المتطلبات الضرورية للاستحقاق الآني، وما يشهده العالم بعد حالة الصدمة والذهول التي أربكت حسابات خططه المستقبلية ينبغي الوقوف عندها بعين التبصر والعمل الميداني المنتج، ففي الوقت الذي كان يخطط العالم فيه الى نقل الحياة لكوكب آخر اذا به ينزوي ضمن مساحة مكانية محددة لا يشعر بالأمان فيها، إن تناسي مكنونات الطبيعة باستعادة زمام أمورها وردة فعلها أمام المتغيرات الجيولوجية والمناخية في ماهيتها المتكاملة والتي امتدت اليها يد الانسان أدى بها الى التحدي فكان لها ما كان عبر سلاحها الوبائي، إن الجهل بحقيقة انتشار الاوبئة ومسبباتها بالرغم من الاستخدام الواسع للتقنيات المختبرية أدى بالنهاية الى كارثة انسانية لما تزل تضرب بقوة في بلدان العالم ومنها العراق، إن حقيقة التاريخ لم تكن يوما ترفاً إنسانياً تتهادى على خطاه الحرية والسعادة، فالإنسان عدواني - كما يرى ابن خلدون - بطبعه وتاريخه حافل بالظلم والطغيان منذ الجريمة الاولى (مقتل هابيل) الى يومنا هذا ولم تسلم من عبثه حتى الطبيعة؛ لذلك وأمام فوضى الحلول وتوق الانسانية لاستعادة كان لا بد من المصارحة والمكاشفة فبعد مرحلة الحجر الصحي والمنزلي والتباعد الاجتماعي والتعايش مع الفيروس وصلنا الى مرحلة (مناعة القطيع) للتعايش مع الوباء، وتتلخص نظرية مناعة القطيع: بأنها شكلٌ من أشكال الحماية غير المُباشرة من مرضٍ معدٍ، وتحدث عندما تكتسبُ نسبةٌ كبيرةٌ من المجتمع مناعةً لعدوى معينة، إما بسبب الإصابة بها سابقًا أو التلقيح، مما يُوفر حمايةً للأفراد الذين ليست لديهم مناعةٌ للمرض. وإذا كانت نسبةٌ كبيرةٌ من السكان تمتلك مناعةً لمرضٍ معين، فإنه يُساعد في عدم نقل هؤلاء الأشخاص للمرض، ومن ثم يُحتمل أن تتوقف سلاسل العدوى، مما يؤدي إلى توقف أو إبطاء انتشار المرض كُلما زادت نسبة الأفراد الذين لديهم مناعةٌ في المجتمع، كلما يقلُ احتمال اختلاط الأفراد الذين لا يمتلكون مناعةً مع أشخاصٍ ناقلين للمرض، مما يُساعد على حمايتهم من العدوى. واستخدم مُصطلح المناعة الجماعية أو مناعة القطيع (herd immunity)‏ للمرة الأولى في العام 1923. وقد اُعترف به ظاهرةً تحدثُ طبيعيا في ثلاثينيات القرن العشرين، وذلك عندما لوحظ أنه بعد تطويرِ عددٍ كبيرٍ من الأطفال لمناعةٍ ضد الحصبة، فإنَّ عدد الإصابات الجديدة قد انخفض مؤقتًا، خصوصًا بين الأطفال المُعرضين لخطر الإصابة به. أصبح التلقيح الجماعي لإحداث المناعة الجماعية شائعًا منذ ذلك الوقت، كما أثبت نجاحهُ في منع انتشار العديد من الأمراض المعدية. ان هذه النظرية وبعيدًا عن المفهوم الطبي الذي أوردناه فإنها تعني المواجهة المباشرة مع خطر الفيروس في حرب معلنة والاستعدادات المهمة لمواجهة الخطر تتمثل بتقوية ودعم خط المواجهة المباشر والذي نعنيه هو الاجراءات الوقائية من المرض وتقوية الجانب المناعي فضلا عن تشكيل خلية أزمة فاعلة في مواجهة الفيروس لديها منظومة متكاملة لعل أهمها هو طمأنة الرأي العام إعلاميًا وصحيًا مع قوة قادرة على تنفيذ القرارات المتخذة واحالة المخالفين للقضاء مع دعم كافٍ للمؤسسات الصحية والملاكات الطبية العاملة في مواجهة هذا الوباء، وكلما كان الاستعداد جيدا ومهما كان الانتصار 
قريبا.