الاستشراف في حاضر العراق والمستقبل

آراء 2020/06/23
...

د. سعد العبيدي
 
في شأن الصراع الذي نشأ مع نشأة الانسان مخلوقاً عاقلاً على الكرة الأرضية واستمر معه باقيا حتى عصرنا الحالي، والذي سيبقى هكذا جزءاً من الحياة حتى نهايتها المحكومة بقوانين الكون. في شأنه كانت هناك مساعٍ بشرية لفهم واقع الصراع بين الأفراد والجماعات والدول، وكانت هناك مساعٍ لمعرفة مخارجه حروباً بين بني البشر، واستخدام للقوة والتهديد باستخدامها وغيرها مساعٍ من أجل تحقيق المصالح وفرض الارادات في دوائر صراع متعددة. لقد عمل الانسان في موضوع الصراع باتجاهين متناقضين، الأول، جهدٌ يبذله الطرف المعني (الدولة على وجه الخصوص) للحيلولة دون تحقيق الخصم في دوائر الصراع لأهداف له تحسب ضارة أو سلبية بالنسبة لها. والثاني عمل من قبلها حثيث لتحقيق أهدافها في زيادة القوة والقدرة والكسب التي تحقق مصالحها الستراتيجية. ولتأمين هذين الاتجاهين الرئيسين عمل الانسان منذ امتلاكه الوعي على تطوير قدراته في الاستشراف (الاستقصاء والتوقع والتصور)، أو الحدس المستقبلي والتنبؤ بما يمكن أن يحصل لاحقاً بقدر مقبول من احتمالات الحدوث. هذا ولو تجاوزنا الدول الأوروبية وكثيرا من الدول الآسيوية التي وصلت حدوداً متقدمة في موضوع الاستشراف، وباتت تؤسس على نتائجه قرارات تتخذها في تحليل وإدارة الصراع، وقارناها مع العراق المطوق سياسياً بدوائر صراع متعددة نجد أن إدارته ومنذ عقود متعددة لا تعتمد على الاستشراف التحليلي سبيلاً لمعرفة ما يمكن أن يحصل مستقبلاً، بل واعتمدت غالبية القادة على خيالاتهم وأفكارهم ومبادئ يؤمنون بها سائرين بطريقة المحاولة والخطأ في التعامل مع قضايا الصراع. وهناك في تاريخنا القريب أمثلة كثيرة تؤشر هذه الحقيقة وتبين مقادير الخسارة التي خسر بسببها العراق ثمناً باهظاً في جوانب السياسة والثقافة والاقتصاد، بينها: لو أن أصحاب فكرة تأميم النفط استشرفوا ردود فعل الشركات العالمية، وقدراتها الفعلية في التحكم بإنتاج وتسويق النفط، لما توجهوا الى التأميم ودفعوا بالعراق الى أن يكون ساحة حروب مستمرة. ولو تعرف النظام السابق على طبيعة الثورة الإيرانية، واستشرف مستقبلها ودورها في ساحة الصراع الإقليمي والدولي لما حصلت الحرب العراقية الإيرانية التي أنهكت العراق. ولو استشرفت حكومات المركز طبيعة التصارع مع الأكراد وتنبّأت بتأثيراتها على الأمن والاستقرار، لما استمرت حروبها منذ تأسيس الدولة العراقية والى اليوم. ولو استشرف صدام ردود فعل العالم وعرف وضع الكويت في دوائر الصراع، لما اتخذ خطوة الغزو التي قوضت أركان الدولة العراقية.....الخ من الأمثلة التي لا تحصى والتي تدلل أن عراقنا وحتى أيامه هذه لا يقترب من موضوع الاستشراف ولا يعتمد على التحليل المنطقي الذي يقدم احتمالات لما يمكن أن يحصل مستقبلاً، متكئاً في أغلب قراراته على آراء واجتهادات شخصية تحركها أنا تتضخم بالتدريج، لتكون النتيجة استنزافا للذات العراقية، سوف لن يتوقف إلا بعد السير على طريق الاستشراف الصحيح.