نهاية {نهاية العالم}

آراء 2020/06/24
...

د. كريم شغيدل
 
هل سيعود العالم كسابق عهده بعد القضاء على وباء كوفيد - 19 المستجد؟ أم ثمة متغيرات فرضتها الجائحة؟ قد ينظر البعض إلى متغيرات اجتماعية طفيفة سرعان ما تمحى وتعود الحياة كما كانت عليه، بينما ينظر من يعتقد بأنها حرب فيروسية بمنظار ستراتيجي آخر، على المستوى البيئي والصحي والاجتماعي أرى أن وعياً اجتماعياً بدأ ينمو في الإقلاع عن الكثير من الأعراف والعادات الزائدة وإشاعة عادات تضامنية جديدة، وعلى المستوى البيئي بدأت تتنوع اهتمامات الناس نحو مفهوم البيئة النظيفة الخالية من التلوث، سواء في عمليات التعفير والتعقيم وتجنب ملامسة الأشياء أم في طرق الوقاية، وصحياً أصبحت الفيتامينات المقوية لمناعة جسم الإنسان موضع اهتمام، مع تجنب الأغذية المضرة كالمعلبات وغيرها.
وفر الحظر الصحي فرصة للتأمل ولمراجعة النفس وربما إعادة قراءة الأفكار التي تعتمل في وعي الإنسان، كما وفر وقتاً للمِّ شمل الأسرة على مائدة واحدة، من جانب آخر كان التعليم الإلكتروني من أفضل منافع الجائحة برغم وحشيتها وقسوتها، فقد شهدت أيام الحظر منذ بدايتها توجهاً نحو منصات التعليم الإلكتروني، ودخل كل من الطالب والأستاذ في عالم جديد، وفي تجربة فريدة من التعايش والتقارب عبر وسائل الاتصال المختلفة، بل إن طلبة الدراسات العليا في عموم جامعات العراق خاضوا تجربة الامتحانات النهائية وما زالوا مستمرين، عبر المنصات، وفي ضوء ذلك تغيرت ولو بصورة طفيفة أساليب التعليم وأنماط الأسئلة التقليدية بما يلائم التقنيات الإلكترونية، فأسئلة الحفظ والاستظهار البالية التي طالما طالبنا بتغييرها أصبحت موضوعية واستنباطية وصولاً إلى ما نصبو إليه بتعميم أسلوب العصف الفكري الذي يبني شخصية الطالب ويسهم بتطوير إمكانات الأستاذ، ونجاح هذه التجربة سيفرض حتماً إدخال التعليم الإلكتروني حيز العملية التربوية والتعليمية إلى جانب التعليم المباشر أو ما يسمى بالمدمج في عالم ما بعد كورونا.
في الوقت الذي اتجه فيه العالم إلى النظم الليبرالية الرأسمالية منذ سقوط جدار برلين مروراً بانهيار الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية، وسقوط العديد من الدكتاتوريات في دول أميركا اللاتينية وآسيا والشرق الأوسط، على أمل بناء أنظمة ديمقراطية، على أنقاض النظم الشمولية، أثبتت الوقائع هشاشة النظام الرأسمالي، مقابل قوة النظام الشمولي، فقد أسقطت الجائحة أسطورة القيمة العليا للإنسان في ظل عجز دعاة الحرية عن معالجة من لا يمتلك ثمن العلاج، بينما وفرت النظم الشمولية كل ما يحتاجه المواطن، وهذا ليس مديحاً أو تبنياً للشمولية أو نبذاً خالصاً للديمقراطية، إنما هي نقطة انطلاق ربما لمتغيرات ستطال الفكر الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وتحطم بعض السرديات الكبرى للآيدلوجيات التي تحكم عالمنا، بل ستنهي فكرة نهاية العالم التي قال بها (فوكو ياما)، وكل تنبؤاته أو استقراءاته التي بنيت على اتجاه العالم نحو الديمقراطية ومنظومتها الرأسمالية الليبرالية بعد التحرر من النظم الشمولية التي بدأت بالتساقط كأحجار الدومينو.