عباس الصباغ
يُوصف آية الله العظمى السيد محمد محمد صادق الصدر (قدس) بأنه مرجع الميدان الثوري، بل هو مرجع كل الميادين وأيقونة التغيير الجذري والثوري؛ لذلك سعى رأس النظام المباد وضمن منهجه التخريبي الى تجريد الساحة العراقية من الرموز والنماذج الكاريزمية والثورية المؤثرة آنذاك وذات الوزن الثقيل والتي باستطاعتها أن تقلب الطاولة على رأس ذلك النظام وتلقنه درسا لاينساه، وبذات التأثير المحوري كآية الله محمد الصدر (قدس) الذي دفع حياته الشريفة ثمنا باهظا لذلك،
ناهيك عن الإبادة الشاملة والمنظّمة لعموم رجالات الحوزة العلمية ولرجال الدين عموما والتصفية الجسدية لهم، فالشخصية التاريخية لاتتكرر دائما وتكون عادة هي الداينمو الفعال لأي تغيير ثوري وجذري بعد أن تستقطب الشارع لهذا الغرض وتستثمره من أجل التغيير، وقد تمتعت شخصية السيد محمد الصدر بجاذبية فعالة وسحر عجيب، ولم يكن ينقص ذلك سوى الإعلان عن ساعة الصفر للتغيير؛ ولهذا فقد توجّس رأس النظام المباد خيفةً من امتداد وتنامي هذه الكاريزما وسط الجماهير (أداة التغيير) مايعني ان الخلاص سيكون قريبا من هذا النظام المتوحش ورفع نيره عن كاهل العراقيين، واي توجّه ثوري من سماحة السيد (قدس) كان سيضع المسمار الأخير في نعش النظام المتهرئ آنذاك ويضع العراق على مفترق طرق من التغيير الذي طالما انتظره العراقيون ولتجنيب العراق مخاطر التغيير عن طريق قوى خارجية لها مصلحتها الخاصة في تغيير نظام
الحكم.
رأس ذلك النظام أدرك حقيقة خطورة وجود شخصية مؤثرة وقادرة على تحريك الجماهير في سبيل التغيير بقوى داخلية وشعبية؛ لذا استعجل بالتخطيط لاغتيال السيد محمد الصدر (قدس) وحسب سيناريو مخابراتي مفضوح، محاولا إلقاء تبعة ذلك الاغتيال المشؤوم على عاتق مجموعة من تلاميذه (قدس) ليضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، وليشق صفوف الحوزة ولتخلو الساحة العراقية من أية شخصية ذات ثقل ثوري وقادرة على ان تجعل الجماهير تلتف حولها، فأراد النظام إسكات صوت السيد الصدر لتسكت في إثره أصوات الجماهير
المسحوقة.
ومن المؤسف له أن هذا الإجراء الذي أفضى عن اغتيال سماحة السيد محمد الصدر (قدس) قد كشف عن تأثيره الفاضح والمأساوي بعد التغيير النيساني المزلزل (2003)، فقبل هذا التاريخ لم يجد الزمان بشخصية مؤثرة مثل السيد الصدر (قدس) وبمثل مواصفاته وحضوره فتصحّر ذلك المشهد تماما. وقد كان الشهيد آية الله محمد الصدر (رض) أنموذجا حيّا لتلك الشخصية الوطنية الجامعة والمعتدلة، وتوضّح ذلك أطروحاته الفكرية وموسوعاته المعرفية، فكان اغتياله المدبر خسارة فادحة لجميع العراقيين، بعد أن خلت الساحة العراقية من وجود هكذا شخصية ذات تأثير ستراتيجي مؤثر تستقطب الجماهير من مستوى السيد الصدر، ومنذ أن أصدر رأس النظام المباد قراراً بتصفية آية الله محمد الصدر، في (19 شباط 1999)، فقد كان يدرك هذه الحقيقة التي وضعها في حساباته المستقبلية، ولعلّ التخبط الذي تعيشه العملية السياسية يعود إلى هذا السبب. أصبح السيد الصدر مصدر إلهام روحي وثوري مازال يدغدغ مشاعر الجماهير، فلم يخبُ تأثيره حتى بعد مرور فترة طويلة على رحيله
المفجع.
ومن إهم إنجازاته (قدس) أنه تصدى للمرجعية الدينية وسعى للحفاظ على الحوزة العلمية في النجف، وقام بخطوات كبيرة في هذا المجال وفقاً لما تتطلبه الساحة الفكرية والحياة العصرية، وقام بإرسال العلماء إلى جميع أنحاء العراق لممارسة مهامهم التبليغية وتلبية حاجات المجتمع، وتعيين العلماء المتخصصين للقضاء وتسيير شؤون أبناء المجتمع، وأقام صلاة الجمعة وأمّها بنفسه في مسجد الكوفة في النجف الأشرف، وتعميم إقامتها بمدن العراق الأخرى رغم منعها في ذلك الوقت، مما وَلّدَ لدى النظام الحاكم في العراق خوفاً من خطر مباشر على عرشه المتهاوي.
لم يكن اغتيال السيد محمد الصدر عملية اعتباطية او ارتجالية بل كان قرارا مخابراتيا مدروسا لتلك المرحلة او للمراحل اللاحقة له، وهذا ما كشفته أحداث مابعد التغيير النيساني الجسام فلو كان الشهيد محمد الصدر حيا لتغيرت الخارطة السياسية ـ الاجتماعية في العراق بالتأكيد.