حسين علي الحمداني
للشهادة في العراق أيامها الخالدة التي تظل راسخة في الذاكرة العراقية التي اعتادت أن تحتفظ لهؤلاء الشهداء الأبرار بأيامهم وتخلدهم الذاكرة الجمعية لهذا الشعب الذي التف حول رموزه الوطنية والدينية، ووجد فيهم بوابة الخلاص من الجور والظلم والاضطهاد.
الشهيد آية الله العظمى محمد محمد صادق الصدر(قدس)، الرجل الذي جمع الشهادة بين يديه وسار إليها بقوة وشجاعة، جمع بين حب الوطن وإعلاء كلمة الله ورفع شأن الإسلام بوصفه دينا إنسانيا هدفه تحقيق العدالة الاجتماعية من جهة، ومن جهة أخرى رفع الظلم عن الشعب العراقي في تلك الظروف التي كان يعيشها شعبنا وسط سلطة قامعة للحريات المدنية منها والدينية، ووسط ظلم آخر تمثل بالحصار الاقتصادي الذي مارسته أميركا ضد الشعب وليس ضد الحكومة الطاغية.
دعواته الإصلاحية العلنية وعبر منبر الجمعة الذي أعاده رغم كل التحديات التي كانت تواجهه في ذلك الوقت، هذه الدعوات الصادقة كانت السبب الرئيس في التفاف المؤمنين حوله والحرص على الحضور ليس في الكوفة فقط، بل في عموم العراق إذ كانت خطبة الجمعة وما تتضمنه فرصة كبيرة لأن يكتشف الشعب أن هناك رجالا نذروا أنفسهم من أجل الدفاع الحقيقي عن الشعب العراقي.
لهذا كنا نرى في الشهيد الصدر الثاني هوية وطنية عراقية صادقة، وأيضا وجدنا فيه رجل دين يحمل مهمة كبيرة هي التصدي للظلم، وفي الجانب الآخر جمع الشهيد الصدر بين كل هذه الصفات وغيرها ليشكل في النهاية رمزا عراقيا ارتفع إلى السماء لحظة الشهادة على يد أزلام الطاغية الذين حاولوا إخفاء الحقيقة أكثر من مرة لكنهم فشلوا في ذلك خاصة وأن الشعب العراقي والعالم بأسره يعرف جيدا أن سيرة نظام صدام القمعي وبطشه وممارسته القتل والإعدامات تؤكد بما لا يقبل الشك أنه من استهدف الشهيد محمد الصدر ونجليه العام 1999 في جريمة اهتز لها العراق، مما يجعلنا نسمي تلك اللحظات بانتفاضة الشهيد الصدر، وكما أشرنا جوبهت جموع الشباب بحملة شعواء من القتل والاعتقال من قبل الأجهزة الأمنية للنظام.
لهذا نجد أن الشهيد الصدر أسس لمدرسة فكرية ودينية وسياسية في وقت واحد، قائمة على أن من مهام رجل الدين رفع الظلم عن الشعب والتصدي للحاكم الظالم مهما كانت قوته وجبروته، ورغم أن الشهيد كان يعرف تماما أن هذا النظام سينال منه، وهذا ما جعله في كل خطبة جمعة يرتدي كفنه مما يؤكد استعداده للتضحية والاستشهاد في سبيل ما يؤمن به من قيم ومبادئ من جهة، ومن جهة ثانية يؤكد أن النظام الموجود آنذاك نظام قمعي لا يتردد لحظة واحدة في تصفية كل من يعارضه حتى وإن كانت هذه المعارضة من على منبر رسول الله (ص).
ونحن نستذكر تلك الشهادة الكبيرة نجد اليوم أنفسنا بحاجة أكبر لفكر الشهيد الصدر في بناء الإنسان العراقي على أسس المحبة والتسامح وتعزيز قيم المواطنة والكثير من المبادئ التي علمنا إياها الشهيد الخالد محمد محمد صادق الصدر.