الفكر الذي يبقى

آراء 2020/06/27
...

زهير الجبوري 
 
تحيلنا قراءة العقول الى سؤال وجودي مفاده الى أي مدى يمكن توصيل حالة التأثر الكبيرة لدى الآخر المناهض لفكر معين، ربما لأن العوامل المحيطية هي المساعدة في هذا الجانب، وأعني هنا البيئة والأرضية المساعدة على العقول النيرة في مجتمعنا الشرقي، ولأننا نمرّ في ذكرى استشهاد الصدر الثاني (قدس سرّه)، فإن جلّ ما أود الوصول إليه هو أن الفكر الذي يبنى في جذور متينة، من الصعب محوه او تلاشيه، بخاصة اذا كان يحمل صفة تقديسية، والشهيد الصدر هو ابن بيئة دينية رصينة شكلت خطاباً مؤثرًا تغلغل في تفاصيل المجتمع، ولأننا أبناء مجتمع محافظ، فإن أهم ميزة نتمتع بها هي تمتعنا بممارسات وطقوس دينية تحافظ على وجودنا وكينونتنا، ولأسرة الشهيد الصدر الدور الكبير في جعل هذه الطقوس لها الأثر في توعية الناس من خلال الدروس الانسانية المنتظمة والمُعَدة إعدادا تراتبيا سليما مفاده كيفية التعامل مع العلوم الدينية والانسانية والعلوم الأخرى بطريقة تحافظ على جميع القيم والشعائر لمجتمعنا..
وللشهيد الصدر الثاني (قدس سرّه) الأثر الكبير والواضح في تنوير الأجيال التي عاشت معه التي طبقت ما جاء به من بعده، فهو ينطلق من قراءة الدين قراءة اجتماعية وفلسفية ونفسية معاصرة، وهذا ما أقلق السلطات الفاشية في إيقاف ما يصبو اليه من مشروع تنويري مؤثر، في مرحلة كان فيها المجتمع العراقي مغرقا في الحروب وآثارها وهيمنة السلطة الواحدة ووجود الرقيب لهذه السلطة، غير أن المشروع الفكري الذي له أصل العدالة استمر وبشكل واضح، لأن الموضوع في حقيقته يمثل عقيدة، والعقيدة تمثل الانتماء الكبير لأية فئة دينية او فكرية معينة..
المهمة الأساسية لدى الشهيد الصدر التي تصدى لها بعد وفاة المرجع الأعلى السبزواري في العام 1993، تمثلت في ((الحفاظ على الحوزة العلمية في النجف الأشرف، فقام بخطوات عديدة، أهمها ارسال المبلغين الى أنحاء العراق كافة لتلبية حاجات المجتمع)) ـ كما تقول المصادر ـ ، وهي مهمة حساسة جدا، لأمر يتعلق في المرحلة التي كان يعيشها البلد في حياة الحرب والحصار، لذلك استطاع ان يطرح خطابه الفكري عبر عقلية تنظيمية غاية في الحكمة، ليشكل وحده سلطة مضادة، وليس لأنه درس الفقه او أنه من أبناء الحوزة العلمية الشريفة فحسب، إنما لقدرته على التعايش في ظل أوضاع حرجة وحساسة وتقديم رسالته التي هي رسالة إنسانية كبيرة، والشيء الملفت للنظر حين نتمعن في حياته (رحمه الله) أنه كان يدرك إدراكا كبيرا مدى خطورة الواقع الذي يعيشه او بالأحرى أنه أحد مشاريع الشهادة..
ككل، حين تمر علينا هذه الذكرى المؤلمة، نلمس في الوقت ذاته أنه رجل بقي بيننا في أثره العلمي والسيري الشريف من خلال ما قدمه من علم متوارث واتباع من الرجال والشباب الذين يحيون اسمه ويتداولون علمه ووصاياه، فالفكر يبقى اذا كان فكرا إنسانيا وفلسفيا 
مؤثراً.