النبراس الخالد

آراء 2020/06/28
...

محمد صادق جراد 
بالرغم من كونه مفكرا إسلاميا ورائدا للحركة الثقافية ومرجعا كبيرا للمسلمين إلا أن أبرز ما عرف به الشهيد محمد محمد صادق الصدر (قدس سره) هو شجاعته وتحديه للأنظمة الحاكمة ومقارعته للطغاة، إذ تصدى بنفسه لإقامة صلاة الجمعة في مسجد الكوفة في زمن الحكم البعثي الفاشي، ولقد أطلق في زمن المنع وتكميم الأفواه صيحاته المشهورة (كلا كلا اميركا.. كلا كلا إسرائيل.. كلا كلا للباطل .. كلا كلا للطغيان ..) والتي كانت ومازالت نقشا في ضمير الأمة وصرخة يخاف منها الطغاة في كل العصور. ومن هنا أصبح السيد محمد الصدر (قدس سره) مصدر إلهام روحي للكثير من العراقيين، لاسيما شريحة الشباب التي وجدت فيه القائد الشجاع والملهم الذي كان يتخذ من صلاة الجمعة منبرا لتوعية أبناء الشعب العراقي، وبقيت كلماته الخالدة نبراسا للثائرين الشجعان حتى أصبحنا أمام جيل من الشباب المؤمنين بفكره حد الموت والتضحية بكل شيء وهم من يسمون أنفسهم أبناء الصدر.
لقد ترعرع السيد الشهيد في مدينة الكاظمية المقدسة العام 1943 وأكمل دراسته الحوزوية في مدينة النجف الأشرف، وكانت تلك الأجواء كفيلة بتكوين شخصيته القوية إذ كان ذكاؤه ملفتا لأساتذته وكان معروفا بسرعة البديهية وغزارة القراءة للكتب على اختلافها، وعندما نتحدث عن رجل مثل السيد الشهيد الصدر فلا بد من القول بأنه كان قريبا من الناس ويلتقي بهم ويستمع اليهم ويتعرف الى احتياجاتهم، وهذا هو النهج الرسالي الذي سار عليه الشهيد الصدر لأنه أراد تكريس القيم والمفاهيم الإسلامية الحقيقية، كما أراد إرساء دعائم الدين المحمدي في العقول والقلوب، وأن يترجم الأقوال الى أفعال وسلوك من أجل تغيير الواقع المتردي وتغيير المجتمع وتوعيته لتمكينه من والوقوف بوجه الطغاة والظالمين، وهي مهمة صعبة لا يمكن أن يقوم بها إلا قائد روحي يستطيع ان يخترق القلوب ويقود محبيه نحو التضحية والفداء من أجل كلمة الحق. .
كان للسيد الشهيد الصدر محطات مشرقة عديدة ومن أهم محطات حياته مشاركته في الانتفاضة الشعبانية العام 1991 إذ تعرض للسجن والتعذيب هو ومن معه من رجال الدين والثوار ليسجلوا بأحرف من نور تاريخا مشرفا للوقوف بوجه الظلم والدكتاتورية. ولقد انتهت المسيرة الجهادية الخالدة للسيد الشهيد الصدر الثاني عندما شعر النظام البعثي بالخطر من بقائه ودوره الكبير في توعية المجتمع، فجاء الأمر من رأس الهرم باغتياله وإنهاء حياته الشريفة مع نجليه في حادثة هزت العراق والعالم حينها ليمضي السيد محمد محمد صادق الصدر على نهج الامام الحسين عليه السلام، وهو نهج الشهادة والتضحية لتبقى دماؤه الطاهرة وذكراه الخالدة تقض مضاجع الطغاة والفاسدين. مضى الشهيد ولايزال حيا بفكره ومواقفه ومنهجه الرافض للظلم. رحل من كان يرتدي كفنه كل صلاة وترك لنا أنموذجا للشجاعة والتضحية وقول كلمة الحق في حضرة السلطان الجائر.