عبدالامير المجر
قبل أيام، رحل النجم الكروي أحمد راضي، إثر اصابته بفيروس كورونا، وقد احدث رحيله ضجة غير مسبوقة. فالفيض العاطفي كان جارفا، ليس فقط، لأنه نجم كروي كانت له صولات وجولات في الملاعب، بل ايضا لما أثير على هامش الرحيل من جدل حاول البعض فيه ان ينفض الغبار عن امور حساسة، عمل العراقيون على تجاوز آثارها التي تركت على جسدهم الواحد جروحا مؤلمة.. وبذلك تحوّل الرحيل الى مناسبة، تزامنت مع تأجج العاطفة الوطنية عند العراقيين، وتجليها بشكل كبير في احتجاجات تشرين وشعاراتها التي كانت صرخة بوجه التقسيميين والطائفيين.
بعد فوز العراق ببطولة امم اسيا العام 2007 كتب كثيرون بان المنتخب الوطني وحّد العراقيين! وكتبت في حينه، بان الفوز بما اعقبه من احتفالات وفرح غامر عمّ البلاد كلها، كشف عن وحدة العراقيين ووطنيتهم الراسخة، على الرغم من محاولات الطائفيين لطمسها، مثلما عرّى المتربصين بوحدة العراق ممن ظنوا ان مشاريعهم التي اعدت في الظلام، نفذت الى عظام العراق ونخرتها فبات جسده مسجى امامهم وماعليهم إلا تقطيعه وفق ما رسموا، فجاء الفوز ليضعهم امام الحقيقة، بل انه كان احدى الرافعات الوطنية التي نهض منها العراق من فوضاه الدموية في تلك السنة المرعبة وماقبلها، ليوقف المد الارهابي الاسود الذي حوّل شوارعنا الى أنهار من نار ودماء ..
من هذه الحقائق الراسخة، انعكست مشاعر العراقيين تجاه احمد راضي، الذي رأوا فيه صورة العراقي الذي تجلى في فعله الرياضي الوطني، موقفهم تجاه وحدة وطنهم الذي لايريدون لاحد ان يكرر ما فعله معه من قبل. فالاهداف التي سجلها احمد راضي لم تكن لطائفة او جهة بعينها وانما كانت وستبقى للعراق، وعليه فحساسية العراقيين تجاه اية محاولة لتجيير احمد راضي خارج هذا الوصف المحسوم عندهم، يعني سرقة جزء من صورة مشرقة وجميلة من تاريخ العراق، واستبدالها بصورة تستفز وطنيتهم وتحاول ان تحجب نظرتهم الواثقة باتجاه المستقبل الذي دفعوا لاجله الكثير، كي يرونه يشبههم ويعادل ثمن كفاحهم وألمهم وجوعهم ومعاناتهم، حتى لاينال أحد، مرة اخرى، من جسدهم الطاهر ويلوث ثوب وطنيتهم النظيف!
لقد كان رحيل احمد راضي جسدا، بمثابة عودته من الماضي القريب، روحا ومعنى، ممثلا بكل الذكريات والاعتبارات التي اشرنا اليها، فكان الفيض العاطفي الجارف تجاهه، يشبه مشاعر الام وهي تستقبل ابنها العائد من جبهات الحرب، والام هنا هي العراق بارضه ومائه ونخيله وجباله وطينه وترابه، ومن حولها اخوته ممن تعددت اساليبهم في التعبير عن مشاعرهم، فالعائد الحاضر هو العراق الذي اريد له ان يغيب الى الابد، لكنه ابى إلّا البقاء، وان مثقلا بجراح كثيرة مازالت طرية، ومتطلعا الى الأمام، ليبقى كما كان، آنيا على متن التاريخ بثقله الحضاري والثقافي الذي يعرفه العالم. وهكذا ألقى العراق الرياضي بوهجه الناصع على مشهد الرحيل، فاستحضر العراقيون ماضيهم الوطني ليسكبوه على أديم الحاضر ليبقى الوهج ممتدا، وكان لا بد من هذا الضجيج العذب حين يمتزج الحزن العميق بمشاعر فرح يسكن خفايا الصدور ويندلق في لحظة عاطفية نادرة على مائدة الوطن الكبير.