أ.د عامر حسن فياض
من هي داعش؟ واين تكمن قوتها.. في ذواتها أم في خوارجها؟ وهل هي نبتة طبيعية أم مصطنعة؟ وهل هي مشروع شيطنة أم هي أداة في مشروع شيطنة؟ وما الضد الدولي الكمي الشكلي قبال داعش؟ وهل عراق مابعد تجريف داعش وهزيمتها يعني عراقا بلا دواعش أم عراق دواعش أُخرى؟.نحرص على أن ننطلق في الاجابة عن هذه الاسئلة من حكمة "النفري" التي تفيد بأنه "كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة" والعبارة نقصدها أسئلة قصيرة وأجوبة أقصر.
داعش، ببساطة شديدة، وسيلة ايضاح أنموذجية لمن يريد معرفة الجهل. ووسيلة إيضاح أنموذجية عن بنك دم يروي كل مهمش متعطش للقتل في العالم .. ووسيلة إيضاح أنموذجية عن منجم ثروة يشتغل فيه كل مهمش متعطش للمال الحرام في العالم.. ووسيلة إيضاح أنموذجية عن مبغى رذيلة ينجذب اليه كل مهمش منقاد لشهوة الجنس المبتذل في العالم. ووسيلة ايضاح أنموذجية عن مزبلة يترفع عن دخولها الفقراء وينعم بقذارتها المهمشين أعداء النظافة في العالم .. ووسيلة إيضاح أنموذجية عن الشر بل عن آخر تفاهات الشر والشيطنة في العالم..
أما عن قوة داعش فإنها متأتية من خوارجها ودواخلها معاً اي من توظيف خارجي وواقع مزري ونصوص محرفة وفتاوى مضللة وعقول ناقصة وحواضن جاهلة ..وخلاصة القول إن من الخطأ اعتماد التفسير المشوه والرأي المعاند الذي يفيد من ان داعش تستمد قوتها من خوارجها فقط او من دواخلها فقط..
وفي كل الأحوال ان داعش نبتة مصطنعة يراد لها ان تكون مستنبتة لتبدو طبيعية، بيد أنها في حقيقتها لم تعد سوى أداة تؤدي دوراً استعمالياً استخدامياً توظيفياً لإقامة كيانات مشيطنة تتمدد ولاتستقر. والمعلوم للقاصي والداني ان التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب الذي تتزعمه الولايات المتحدة الأميركية وكل أنظمة النفعية الغربية مدعوماً من التوسعية الإسرائيلية أمراء وملوك البترو دولار، والاخوانية العربية التركية ضم اطرافاً ألسنتها ضد الإرهاب وسيوفها وأموالها وأبواق إعلامها على من يحاربه ويمنع انتشاره حقاً.. وهذا الضد الدولي والاقليمي الكمي الشكلي يعلن جهراً انه لايريد أكثر من إضعاف قدرات داعش وايقاف تمددها، كما ان نفعية هذا الضد تقتضي احياناً السكوت عن تمدد داعش وأخواتها مرة ودعم داعش وأخواتها مرة أُخرى وضرب داعش وأخواتها بخجل لإعادتها إلى بيت الطاعة الغربي النفعي مرة ثالثة. أما الضد الدولي والاقليمي النوعي لمكافحة الإرهاب ومنع انتشاره فإنه قد أخذ يتشكل ويتقوى بشركاء حقيقيين بينما يحاول لوبي أميركي صهيوني عربي مراراً تشويه صورته بتجنيد كل طاقاته الدعائية للتبشير بوهم انفراط عقد هذا الضد النوعي المحارب للإرهاب والمانع لانتشاره مرة بإشاعة تخلي روسيا الاتحادية عنه، وأُخرى بتخلي جمهورية ايران عنه، غير ان الحقائق على الأرض العراقية وكذلك السورية التي تسجل اندحارات داعش ومشتقاتها تبدد هذا الوهم، إذ نتلمس السلاح الروسي والخبرة القتالية الايرانية ومشاركات المقاومة اللبنانية تتصاعد بوصفها حضورا ايجابيا أسهم بفعالية في تحقيق انتصارات وتسجيل هزائم على الإرهاب بكل ضروبه وأشكاله.
ولهذا فإنَّ داعش ومشتقاتها أدوات موظفة لتنفيذ مشروع بوصلته شيطنة ثم تحطيم منظومة الدول الوطنية (فكرة ومؤسسات) في المنطقة، أي تجفيف فكرة الدولة في العقل، وتجريف مؤسساتها الوطنية على الأرض، أي استهداف منظومة الدولتية، أما الشركاء في تنفيذ هذا المشروع من غير الدواعش فإنهم بقصد او من دون قصد، بجهل او بعلم يسرحون ويمرحون داخل الجلد العراقي وخارجه. عليه فإنَّ الراية او الشعار وكذلك السياسات التي ينبغي أنْ نتمسك بها هي بناء وأنسنة الدولتية الوطنية، اي التفكير بعقل سليم والعمل بجد من أجل جيش دولة يراد له أن يتحطم بالإلغاء، أو أن يكون جيش حكومة فقط من أجل أمن دولة يراد له أنْ يتحطم أو أنْ يكون أمن حكومة فقط. من أجل إعلام دولة يراد له أنْ يتحطم بالإلغاء أو أنْ يكون إعلاماً جهوياً تسلطياً حكومياً او غير حكومي. من أجل مؤسسات دولة يراد لها أن تتحطم بالإلغاء او أن تكون مؤسسات محاصصة لأشخاص متنفذين او جماعات متنفذة ..من أجل رجالات دولة وخبرة يراد لهم العزوف وعدم المشاركة في أنسنة الدولة ليحل محلهم رجال صدفة في إدارة الدولة.
على أية حال، تظل الأوّلوية في عراق اليوم لمكافحة الإرهاب ومنع انتشاره من خلال اعتماد ستراتيجية عنوانها (المواجهة معولمة والحسم عراقي) وأركانها تتلخص بـ
- لا قطيعة تامة ولا اعتمادية مطلقة على ومع التحالفات الدولية والاقليمية لمكافحة الإرهاب ومنع انتشاره سواء أكانت هذه التحالفات تمثل ضدا نوعيا جوهريا او ضدا كميا شكليا.
- عدم قبول اي موقف عراقي او اقليمي او دولي ساكت او محايد ازاء مكافحة الإرهاب ومنع انتشاره.
- قبول ستراتيجية مكافحة الإرهاب ومنع انتشاره ورفض ستراتيجية توظيف الإرهاب.
- بناء دولة مُؤنسنة بالحريات والعدالة الاجتماعية ومسلحة بالقانون ومحمية بالمؤسسات الوطنية الاتحادية العسكرية والأمنية.
بذلك نصل الى عراق مابعد داعش ...ولكن هذا العراق سوف لايمثل النهاية للمشكلات التي يتحمل مجمل أسبابها كتل متنفذة لم تنجح بعد في أنسنة الدولة الوطنية الاتحادية في العراق لانها لم توفق بعد في معالجة جملة مشكلات ومزالق يعاني منها نظام المحاصصة مثل العوز التشريعي والعجز الخدمي والعبث بالمال العام والعمى بالأولويات والعرج المعرفي والعقم الانتاجي وغيرها من دواعش جديدة.