وطن الخريطة.. وطن الواقع

آراء 2020/07/01
...

نوزاد حسن
 

لا أعرف لماذا حملني فضولي الى البحث عن موقع العراق في خارطة الوطن العربي؟ أردت في الحقيقة إلقاء نظرة على وطني وهو مرسوم بوضوح في مكانه المعروف في الأعلى مجاورا تركيا وإيران ودول جوار أخرى. تأملت طويلا في موقع العراق على الخريطة، وتساءلت كم هو جميل منظر الوطن على الخريطة. الأوطان تستقل بصورة رائعة على ورق الخرائط. وطني أيضا يحتفظ بكامل وجوده الذي يحدده الخط الأسود الذي لا ينحرف يمينا ولا شمالا. الوطن هناك مرسوم كحقيقة ضمن بلدان أخرى تجاوره، وتتوقف عند حدوده توقفا لا يمكن أنْ تتعداه. الأوطان جميعاً صامتة على الخريطة. وكل وطن لديه كيانه وحدوده الجغرافية التي لا تختلط بحدود الآخرين. ترى هل يوجد ما هو أجمل من التجاور المنظم الملون الذي تعطينا إياه خارطة الوطن العربي او خارطة العالم.
 لا أظن أنَّ هناك ما هو أجمل لا سيما ونحن نرى الواقع الذي تعيش فيه أغلب أوطان المنطقة. أعني لم تعد أوطان الخريطة تشبه أوطان الواقع في شيء. فهناك مشاكل وحروب ما تزال قائمة في أكثر من بلد. ولعل سوريا جارتنا مثالا واضحا على البلد الذي لم يعد كما هو على الخريطة.
 تركيا أيضا ليست كما هي الآن. على الأرض تندفع تركيا خارج حدود خريطتها في أماكن كثيرة. تتحرك باتجاه ليبيا، وقطر وتزحف بجنودها في الاقليم، وتتوغل الى مسافات واسعة تمتد الى 30 كيلومترا في قرى قريبة من زاخو.
الخريطة ترسم تركيا بذلك الخط الأسود نفسه الذي يوضح حدود العراق ويحد حدودها أيضا. لكنها عبرت حدودها، ودخلت في أرض بلدي بحثا عن عناصر تابعين لحزب العمال الكردستاني الذي تعده تركيا حزبا إرهابيا.
لكن ما الذي جعلني أكتب بهذه الطريقة، وأعقد مقارنة سريعة بين واقع البلدان على الخريطة حيث الهدوء والصمت، وبين واقع تلك البلدان على أرض الواقع؟ ما الذي أريد أن أقوله؟
باختصار: أبحث عن هدوء اجتماعي بعيدا عن كل هذه الخلافات السياسية التي تقسم الناس الى نصفين. نصف مع هذا ونصف مع الطرف الآخر.
حتى مع حادثة مثل مقتل الرجل الأسود جورج فلويد صار الناس فريقين مع او ضد مقتله. وشهد الفيس حربا كلامية لها طابع حرب باردة بين من يمتدح الولايات المتحدة وبين من يذمها.
إننا نواجه مشكلات حقيقيَّة كبيرة بدءاً من هبوط أسعار النفط الى جائحة كورونا، مروراً بمشكلات السياسة، وما قد يرافقها من مواقف شعبيَّة قد تزيد من تصاعد الحس الطائفي لا قدر الله. لذا سيكون على الجميع بمن فيهم الكتل السياسية أنْ يعيدوا النظر في مواقفهم، والعمل من أجل عبور هذه المحنة الصعبة.
يقال دائما إنَّ الإصلاح سيحدث لو توفرت الارادة السياسية. وأنا أسأل: ألا يكفي ما نمر به من ظروف صعبة لولادة مثل هذه
 الإرادة؟
أظن أن الإجابة واضحة اذ لا يوجد من يشك في ان البلد يواجه حالة سياسية معقدة جدا، تتطلب علاجا حقيقيا هو في أيدي الحكومة والكتل كلها. وبكلمة أخيرة: عراق الخريطة أهدأ من عراق الواقع.