حسين السلمان
مشكلة تاريخيَّة
يظل العنف الأسري مشكلة كبيرة وحرجة في مجتمعنا. وهو في تزايد واتساع، بحيث يستهدف النساء والرجال، لكن بنسب مختلفة، فإن العنف القائم على النوع الاجتماعي يؤثر في النساء من جميع الخلفيات الاجتماعية. إن الوضع مؤسف بصفة خاصة بسبب الثقافة الأبوية المترسخة في المجتمع، حتى أن الكثير من النساء لا يبلغن عن ممارسات العنف ضدهن لأسباب اجتماعية، منها ما يتعلق بلصق تهم تمس الشرف التي تؤدي إلى القتل طبقا لعرف عشائري متخلف (غسلا للعار) كما جاء على لسان المتنبي: لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يُراق على جوانبه الدم)، أو تهديد واضح بالقتل وبطرق وحشية اتخذت كل واحدة منها شكلا خاصا أبشع من سابقاتها. وعلى ضوء هذه الحالة فإن أكثر من نصف النساء مقتنعات أن الزوج هو من يجب أن يكون صانع القرار الأول والأخير. هذا الاعتقاد متسق مع العقليات المتحيزة ضد المرأة والهيمنة الذكورية، مما يؤدي إلى زيادة احتمالات وقوع العنف ضد النساء، وهن الضحايا الأغلب. وعلى الرغم من ذلك فإن النساء، في أحيان، يلجأن إلى الأقارب أو الأصدقاء طلبا للمساعدة وهناك قلة قليلة من النساء يفكرن في تقديم شكوى بسبب هذا العنف.
عودة مميتة
لقد عاد العنف الأسري إلى دائرة الاهتمام بسبب جائحة كورونا. من هنا ضرورة التفكير بجدية والعمل على تمثل هذه الأزمة كفرصة لتحويل العنف الأسري من شأن خاص إلى قضية عامة. أن ما يزيد من إشكالية المشكلة أن العنف الأسري لا يزال يعد شأناً أسرياً خاصاً. في وقت الكورونا، ومع استمرار الحجر الصحي، عادة ما تقضي الضحايا وقتا أطول في البيت نفسه مع المعتدين، وتزايد حالات الأذى الموجه ضد النساء. في مواجهة هذه الظروف، فإن النساء المعرضات للخطر واقعات في مأزق صعب للغاية، وهن ما بين خيارين: إما أن يبقن في البيت ويعانين على يد الجناة، أو أن يهربن من دون ضمانة بنتائج آمنة في خضم الجائحة. لكن هذين الخيارين يمثلان في نهاية المطاف اختيارات زائفة. فالمشكلة الرئيسية هي أن المجتمع والحكومة لم ينجحا حتى الآن في إعلاء أولوية صحة النساء وحمايتهن في سياق تخطيط التعامل مع الأزمات والطوارئ. من هنا يتوجب وجود أماكن مجهزة لاستيعاب هذه الحالات. ومن الجانب الآخر فإن منظمات المجتمع المدني التي تعمل من أجل حقوق المرأة يجب أن تحاول سد هذه الفجوة، في ظل التكيف مع السبل البديلة التي تراعي قيود التباعد الاجتماعي في الآونة الأخيرة. تشمل هذه السبل إتاحة الخطوط الساخنة، وخدمات المشورة عبر الإنترنت والهاتف، وتوصيل الضحايا بمحامين متبرعين، وتوفير مأوى مؤقت، وإطلاق حملات التوعية. لكن لا تزال نساء كثيرات لا يلجأن إلى منظمات المجتمع المدني لطلب المساعدة. يؤشر هذا بأنه يتطلب توفُّر قوانين ضد العنف الأسري، وضرورة تفعيلها على نطاق واسع وفي كل الحالات، وعدم إعفاء الجناة من العقاب على أفعالهم بطرق ملتوية.
تحويل الأزمة
تتيح أزمة جائحة كورونا الفرصة الذهبية الكبرى لمجتمعنا، وكذلك لمؤسساتنا الدستورية والقضائية لأن تحوّل قضية العنف الأسري من شأن أسري خاص، إلى قضية عامة. في القوانين العراقية هناك مواد لمكافحة العنف الأسري. بحسب ناشطات محليات معنيات بحقوق المرأة، والمنظمة العالمية هيومن رايتس ووتش، فإن هذه القوانين فيها ثغرات كثيرة تقوض من فعاليتها في ردع الجناة عن إلحاق الضرر بالنساء. وكحلٍّ قصير الأجل، على السلطات المحلية أن تتصدى بشكل قوي وحازم للعنف الأسري بصفته أزمة صحية عامة. وعليها توطيد التعاون بين الشرطة ونظام العدالة الجنائية والقطاع الصحي ومنظمات حقوق المرأة المحلية، لتوفير الإغاثة الفورية والدعم الكافي للنساء الناجيات من العنف. وعلى المدى البعيد، فمن المعوقات الكبرى الأخرى المطلوب التغلب عليها هي قوانين الأحوال الشخصية التمييزية التي لم تزل سارية المفعول. إذا لم يتم إصلاح هذه القوانين وأعيد ضبط الأدوار التسلطية بما يحقق المساواة، فسوف يستمر العنف الأسري وسوف تبقى الضحايا من النساء غير مستعدات لطلب المساعدة خارج نطاق الأسرة.